+ A
A -
محمد حربي صحفي وكاتب مصري

على ما يبدو أن عَالم اليوم أصبح كالغابة المفتوحة؛ ولكن ليس كل ما يقفز فوق الأشجار «بهلوان»!.

وحتى المتأرجحون على الأغصان، لا يقضون حياتهم معلقين في الهواء؛ إلا رئيس حكومة الكيان الصهيوني- بنيامين نتانياهو، فهوايته- وهذا ديدنه- التأرجح على الأغصان، ومعزول عن الواقع؛ لدرجة أن نبرات صياح الشارع الإسرائيلي، والرأي العام العالمي، والضمير الإنساني، قد تشابهت عليه؛ فلم يعد يفرق بين تصفيق المصفقين، فيما إذا كان اتفاقاً معه، أم نفاقاً له، وكذلك بين الذين يصفقون حماسا، وتأييداً، وفرحا، وإعجابا، أم يصفقون احتجاجا، وغضباً، وتظاهراً صاخباً ضده.

فمنذ اندلاع معركة «طوفان الأقصى»، يوم 7 أكتوبر (عام 2023م)، و«نتانياهو» بين السماء والأرض، يتنقل بأعواد الثقاب المشتعلة، من شجرة لأخرى من أشجار الشرق الأوسط، ورافضاً النزول- لغرض في نفس يعقوب الملاحق قضائياً- ودون أن يلتفت إلى بيانات الشجب والإدانة العربية المتتالية على جرائم الإبادة الصهيونية ضد الأشقاء الفلسطينيين، وتهديدات الجيران، وتحذيرات الأصدقاء، ونصائح الحلفاء، بالتوقف عن اللعب بالنار، خشية من احتراق المنطقة، ودفع المجتمع الدولي بأسره ثمن المقامرة «النتنانياهوية».

لقد وقف الجميع، ولا فرق بين القريب الإقليمي، والبعيد الجغرافي- كلهم في المسؤولية والذنب سواء - موقف المتفرج؛ ومضت الأيام، والأسابيع، وأصبحت الحسابات بالشهور؛ حتى تجاوزت الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين الغزاويين منتصف شهرها السابع؛ والتي سقط خلالها أكثر من 34 ألف شهيد، وأكثر من 66 ألف جريح، بخلاف المفقودين، والتدمير شبه الكامل للبنية التحتية لمدن القطاع؛ بل والتهديد باقتحام بري لمدينة رفح الحدودية مع مصر، في مقامرة غير محسوبة العواقب.

وعلى الرغم من كثرة الأصوات التي تنادي «نتانياهو» بالنزول من فوق شجرة غزة؛ وخصوصا بعد أن سقطت ورقة التوت عن جميع الصامتين، وزاد الوضع إحراجاً، تلك المحاكمة التاريخية، التي قامت بها دولة جنوب إفريقيا للكيان الصهيوني- ولأول مرة تاريخيا- أمام محكمة العدل الدولية، والذي وضع الولايات المتحدة الأميركية في حرج شديد أمام المجتمع الدولي. ليس هذا فحسب، بل وشجع الحركات الحقوقية في العالم، لتمارس ضغوطا على حكوماتها من أجل اتخاذ مواقف ضد إسرائيل، دفاعا عن الإنسانية المفتقدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأمام هذا الموقف المتأزم دولياً؛ فقد أيقنت القوى الإمبريالية الغربية، بما فيها أميركا، أنها راهنت على الحصان الخاسر، مما جعلها تبدأ في التلويح ببعض الأوراق، في وجه رئيس الحكومة الإسرائيلية؛ الذي أراد الهروب من المواجهة، فقفز على شجرة لبنان.

وظن «نتانياهو»، أن الطريقة التي بدأ بها حياته المهنية العامة، متجولاً بحقيبة إسعافات أولية للمواقف والأزمات، تصلح لكل زمان ومكان؛ إلا أنه قد أخطأ التقدير. ولذلك فعندما شعر رئيس الحكومة الإسرائيلية بأنه يتم تضييق الخناق عليه، ولم يعد مرغوبا فيه من الجميع، بداية من حالة الغليان في الشارع الإسرائيلي، ومطالب الإسرائيليين بإعادة جميع الأسرى؛ الذين اختطفتهم المقاومة الفلسطينية، أو بضيق صدر الرئيس الأميركي «بايدن»؛ الذي ارتبكت حساباته، وهو على أبواب انتخابات رئاسية جديدة؛ وحتى صحوة ضمير المجتمع الدولي، وضغوط الرأي العام العالمي. وكل هذا وذاك دفع «نتانياهو» للقفز على شجرة جديدة في لبنان. حيث قامت قوات الكيان الصهيوني، بتدبير عملية اغتيال للقيادي في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» صالح العاروري، والدخول في اشتباكات مسلحة مع حزب الله اللبناني.

وعندما رفعت إدارة «بايدن» يدها عن الحكومة الإسرائيلية - قرصة ودن-، وامتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي، ضد القرار الأممي رقم «2728» يوم 25 مارس (عام 2024م.)، بشأن وقف القتال في قطاع غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني؛ بعد أن خيم شبح المجاعة على سكان القطاع. وقد جاءت عملية الاستهداف العسكري الإسرائيلي، بتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق- وما تمثله من انتهاكا للقوانين الدولية واتفاقية فيينا- كمحاولة من رئيس حكومة الكيان الصهيوني للقفز على شجرة جديدة في الشرق، وخارج المنطقة العربية!. ومع إصرار «نتانياهو» على توسيع دائرة الصراع، بات واضحا النوايا «النتانياهوية»، في استدراج الولايات المتحدة الأميركية لحرب إقليمية في مواجهة إيران.

وكم كان حلم «نتانياهو»، في جر أميركا إلى مواجهة مباشرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ والذي لطالما سعى إلى تحقيقه رئيس الحكومة الإسرائيلي، منذ زمن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق «أوباما»، إبان ترتيبات الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية (عام 2015م.)؛ إلا أنه أخفق في ذلك آنذاك. واليوم يعاود «نتانياهو» المحاولة، ويخرج ما في جراب الحاوي، واستفز طهران؛ حتى ردت عليه. وسريعا وقعت واشنطن في الفخ، وسارعت بحشد القوى الإمبريالية الغربية، للوقوف بجانب إسرائيل، والتصريح علنا، بالتصدي لأي محاولات تهدد أمن للإسرائيليين؛ وبالتالي إعطاء «نتانياهو» الضوء الأخضر، لمواصلة مسلسل جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين المدنيين العزل، وربما تشجعه على تنفيذ خطته العسكرية بإعطاء الأوامر للجيش الإسرائيلي باقتحام مدينة رفح، وتهجير الشعب الفلسطيني، وتكرار سيناريو «نكبة 1948م»[email protected]

copy short url   نسخ
22/04/2024
10