من مواليد معرة النعمان التي تتصاعد أبخرتها الآن من ضراوة ما تعرضت له. عاش أبو العلاء في الفترة ما بين 973 م -1057 م ودفن بمنزله. كان شاعرا وأديبا وفيلسوفا من كبار أعلام الحضارة الإسلامية. عاش خلال العصر العباسي الثاني. أصيب بالجدري الذي ذهب ببصره، لذا كان يمكث في بيته طويلا ولهذا لقبوه برهين المحبسين أي العمى والمنزل. انقسم العلماء حوله فمنهم من قال إنه زنديق معاد للأديان مثلما قال الإمام ابن كثير والجوزي، ومنهم من قال أنه سليم العقيدة مثل الإمام الحافظ السلفي.
بالرغم من أنه لم يتلق تعليما إلا أنه يُعتبر من أبرز المفكرين والفلاسفة العرب في مجال حقوق الإنسان والحيوان، كما أنه كان كثير التأمل في هذا الملكوت بالرغم من أنه فقد بصره وهو طفل في الخامسة ومع ذلك لم تمنعه الإعاقة من الإبداع والإنتاج الفكري المتفرّد سيما وأنه غير متزوج وليس له ما يشغله ؟؟
له آراء مثيرة للجدل حول الوجود ومآلات الإنسان وحياة ما بعد الموت لدرجة ان البعض رماه بالزندقة، لكنه كان ذا إيمان متين وكل عيبه أنه خلخل بعض الثوابت المجتمعية الشيء الذي أرعب الحكام وبعض المجتمع وقتئذ..
كان أبو العلاء نباتيا بحتا ويعيب على الناس أكل لحوم الحيوانات أو بيضها أو حتى ألبانها بما في ذلك السمك... وفي ذلك قال:
فلا تأكلن ما أخرج الماء، ظالما * ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح
ولا تفجعن الطير وهي غوافل * بما وضعت فالظلم شر القبائح
كذلك كان ضد الزواج من أكثر من واحدة وأنشد رأيه متهكما على المزواجين:
تزوج بعد واحدة ثلاثا * وقال لزوجه يكفيك ربعي
فيرضيها إذا قنعت بقوت * ويرجمها اذا خرجت لتبغ
الظروف التي عاشها هذا الرجل جعلته ساخطا ومتشككا في وفاء الناس حتى الزوجة والولد حيث قال:
عصا في يد الأعمى يروم بها الهدى * أبر له من كل خل وصاحب
عرفت من الإخوة التوانسة أن الزواج ممنوع بأكثر من واحدة بالرغم من أن الشرع يبيح ذلك لكن القانون المدني يمنعه منعا باتا فإن ارتكبت مخالفة مثل هذه فمصيرك السجن. ينصح القادمون إلى تونس من المتزوجين بأكثر من واحدة أن يقول هذه زوجتي والأخرى صديقتي كيلا يطالك القانون بينما يسمح لك أن تتزوج أي عدد من النساء شريطة ألا تجمع بين اثنين في وقت واحد.
هناك الكثيرون الذين يؤيدون ويناصرون أبا العلاء لكنهم لا يملكون الشجاعة في المجاهرة بذلك... بعد كل هذا الإحباط الذي عاشه الرجل نجده كان يحب الخير للناس ويستنكف أن يستأثر بشيء لوحده وهذا من أجمل الخصال التي يتحلى بها إنسان.
و لو أني حييت الخلد وحدي * لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هطلت عليّ ولا بأرضي * سحائب ليس تنتظم البلادا
هذه مقتطفات صغيرة من حياة هذا الفيلسوف إذ ليس بالإمكان تغطية إبداعاته وآرائه في مقال واحد أو حتى مجلّد واحد... رحمك الله يا أبا العلاء واعلم أنك لو عشت في زماننا هذا ونزلت انتخابات لفزت بالإجماع السكوت وبدون أي تزوير [email protected]
