+ A
A -
أسئلة عديدة تطرح نفسها حول ما أعلنته السعودية عن بدء مرحلة جديدة من الحملة ضد الفساد، التي سبق أن أعلن ولي عهد السعودية وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان عن إطلاقها في الرابع من نوفمبر الماضي. وأعلن وقتها أنها تهدف إلى استعادة الأموال، التي يقول إن الفاسدين من أمراء الأسرة المالكة وكبار رجال الأعمال وكبار المسؤولين أضاعوها على الدولة، والتي قدرها ولي العهد بنحو 100 مليار دولار.
وفي إطار تلك الحملة، تم اعتقال أكثر من 200، منهم عدد من أمراء الأسرة المالكة (17 أميرا أبرزهم متعب بن عبدالله)، وكبار رجال الأعمال وكبار المسؤولين لممارسة الضغوط عليهم. ولم يكن خافيا أن الأمر كان في حقيقته محاولة للإطاحة بمنافسيه على السلطة، ولكسب تعاطف رجل الشارع السعودي، الذي انعكس عليه الفساد في المملكة في صورة ضرائب بات عليه دفعها لأول مرة، مثل ضريبة المبيعات التي بدأ يدفعها منذ بداية العام.
وتم إطلاق سراح بعضهم، بعد الموافقة على تسويات مالية قاسية، وبعدما تعرضوا لضغوط لا أحد يدري طبيعتها.
ويقول موقع إن بي أر الأميركي، إنه ستبدأ المرحلة الثانية من مكافحة الفساد - أو الضغوط كما يقول اسمها الحقيقي- بنقل من رفضوا التسوية من سجون الخمس نجوم التي تم إيداعهم فيها إلى سجون حقيقية تمهيدا لإحالتهم إلى المحاكمة.. إذا لم يوافقوا على الدفع.
وسوف يكون من هؤلاء الأمير الوليد بن طلال أحد كبار الأثرياء في العالم، حيث لا تقل ثروته عن 18 مليار دولار، ويتمتع بعلاقات قوية مع عدد من الشركات العالمية والحكومات الغربية. ومن هؤلاء أيضاً بكر بن لادن رئيس مجلس إدارة شركة بن لادن للمقاولات، وهي واحدة من كبرى الشركات السعودية. وهو أخ غير شقيق لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الراحل، وجاء رفض الحكومة الإفراج عنه رغم أن عددا من كبار حملة الأسهم في مجموعته سلموا أسهمهم إلى الحكومة السعودية.
وكان ولي العهد وعدد من المسؤولين السعوديين يفضلون أن تتم تسوية الأمر ودياً في الفنادق الفاخرة، وألا يصل الأمر إلى المحاكم «حتى لا يتم نشر غسيل متسخ علناً» - حسب وصف الموقع.
ويرى بعض المحللين، أن هناك هدفا مهما من وراء ما يعرف بالحملة ضد الفساد هو كسب ثقة المستثمرين في السعودية، ليضخوا الاستثمارات التي يحتاجها اقتصادها بصورة ملحة، لتوفير فرص العمل لمواطنيها على الأقل. لكن أسلوب تعامل ولي العهد السعودي مع المشكلة لن يساعد على تحقيق هذا الهدف، لأنه لا يتعامل مع المشكلة بصورة شاملة، ويترك عناصر فساد أخرى لا يقترب منها.
ونقلت وكالة BLOOMBERG الأميركية عن مسؤول حكومي بارز قوله إنَّ السلطات السعودية ستسترد على الأرجح أكثر من 100 مليار دولار أميركي من اتفاقات التسوية التي تُعقد مع المشتبه بهم في قضايا الفساد ضمن التحقيقات التي طالت عشرات الأمراء ورجال الأعمال الكبار.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هُويته لأنَّ المعلومات خاصة، أنَّه يُتوقَّع انتهاء المفاوضات مع المحتجزين في فندق ريتز كارلتون الرياض نهاية الشهر الجاري، يناير، وسيُحال أولئك الذين لم يتوصلوا لتسوياتٍ إلى النيابة العامة.
ونقلت الوكالة الأميركية تصريحات عن الشيخ سعود المعجب، النائب العام السعودي، في مقابلةٍ جرت داخل الفندق، قال فيها إنَّ السلطات وافقت على إسقاط التهم عن حوالي 90 مشتبهاً به أُطلِق سراحهم.
وعلى أصوات الموسيقى العربية في الخلفية من مكبرات الصوت في بهو الفندق أضاف المعجب أنَّ حوالي 95 آخرين لا يزالون محتجزين داخل فندق الريتز، من بينهم 5 يدرسون عروض التسوية التي قُدِّمت لهم. أما الباقون فما يزالون في مرحلة الاطلاع على الأدلة المُقدَّمة ضدهم.
ودافع المعجب، الذي رفض مناقشة أي قضيةٍ بعينها، عن التحقيقات الجارية أمام سيل الانتقادات التي لاقتها بسبب غياب الشفافية في عملية تحديد قيمة المبالغ المدفوعة لتأمين الحرية.
وتجمع مدفوعات التسوية الجارية حالياً بين السيولة النقدية والعقارات والأسهم وغيرها من أشكال الأصول، وفقاً للمسؤول الحكومي. وتابع أنَّ عدداً قليلاً فقط من المحتجزين في الفندق حتى الآن سيتوصلون على الأرجح لاتفاقية تسوية مع السلطات.
وقد استُدعي حوالي 350 شخصاً للتحقيق معهم منذ أصدر الملك سلمان قراره بفتح التحقيقات في قضايا الكسب غير المشروع في 4 نوفمبر الماضي، ووُجِّهت الدعوة للعديدين للإدلاء بشهاداتهم أو تقديم المعلومات، بينما قضى البعض بضع ساعاتٍ أو أقل داخل فندق الريتز وفقاً لتصريحات المسؤول رفيع المستوى.
أُشعِلت أضواء الفندق الفخم، الذي استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو الماضي، قبل منتصف ليل الأحد بقليل. ولم تظهر علاماتٌ تدل على تواجدٍ أمنيٍ ضخمٍ خارج المبنى.
وقال موظفو الفندق إنَّ ضيوفهم الحاليين سُمِح لهم باستخدام المنتجع الصحي وصالة الألعاب الرياضية وغيرها من المرافق داخل الريتز مثل صالة البولينغ. ويُقدم المطعم كذلك قائمةً من الأطباق العالمية المتنوعة، ويستجيب لأي طلباتٍ غذائيةٍ خاصة.
وقال المعجب إنَّ جميع المشتبه بهم تمكَّنوا من الحصول على مستشارين قانونيين، على الرغم من اختيار الكثيرين تسوية أوضاعهم طواعيةً دون تدخلٍ خارجي. ولم تُقيَّد حركة أيٍ مِمَن أُطلِق سراحهم.
وأضاف: «الأمر الملكي كان واضحاً: إسقاط التهم الجنائية عن كل من أعرب عن ندمه ووافق على التسوية».
وكان موقع الفندق على الإنترنت، قد أعلن الإثنين 15 يناير 2018، فتح باب قبول الحجز المسبق بدايةً من يوم 14 فبراير 2018؛ إذ تبدأ أسعار الغرف المزدوجة من 2.439 ريالا سعوديا (650 دولاراً أميركياً). وظهر على التواريخ الأقدم من هذا اليوم جملة «غير متوافر للحجز».
جديرٌ بالذكر أن الحجوزات في الفندق، المُكوَّن من 492 جناحاً، مُنِعَت منذ قرابة الشهرين، بحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
copy short url   نسخ
24/01/2018
4825