+ A
A -
كتب- عبداللطيف حيدر

منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة الخليجية وأعلنت الجالية اليمنية في الدوحة موقفها المساند لدولة قطر في وجه التحالف (السعودي الإماراتي البحريني المصري) الذي بدأ حصار قطر وشعبها في 5 يونيو 2017م، وتبعها في ذلك إعلان الحكومة اليمنية المقيمة في الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، استجابة لعامل الضغط الإقليمي الذي تتزعمه المملكة.
وكانت الجالية اليمنية في قطر قد خرجت ببيان في 5 يونيو 2017 دانت فيه الحصار المفروض على قطر من قبل الدول التي قامت بمقاطعة وحصار دولة قطر، وعبرت عن أسفها لموقف الحكومة اليمنية الشرعية في اتخاذها قرار المقاطعة وعدم مراعاة المواقف الإيجابية لقطر تجاه الشعب اليمني على الصعيدين الرسمي والشعبي، حيث كانت قطر حاضرة في مشاريعها الخيرية والتعليمية والإنسانية في اليمن، ولعبت دوراً إيجابياً في مساندة الثورة، حيث كانت قطر الدولة الخليجية تقريباً الوحيدة التي تدعم حق الشعوب في الثورة ومساندتها في تحقيق تطلعاتها المنشودة.
المواطنون اليمنيون المقيمون في قطر والذين يعملون في قطاعات مختلفة في السلك المدني والعسكري، يعبرون عن مدى ارتياحهم واندماجهم في المجتمع القطري والذين لا يشعرون معه بالغربة عن أوطانهم كثيراً بل ويشعرون بأنهم في بلدهم الآخر، نتيجة لعمق العلاقة التي يتمتعون بها في الوسط القطري، من خلال تعزيز اندماجهم في المجتمع وشعورهم بالتقدير والاهتمام من قبل المجتمع القطري على الصعيدين الرسمي والشعبي، صحيفة الوطن استقصت آراء عدد من المقيمين اليمنيين حول انطباعاتهم نحو البيئة القطرية وطبيعة تفاعلهم ضمن النسيج المجتمعي القطري ومدى تأثيره على موقفهم في مساندة الموقف القطري برغم أن الحكومية الشرعية قطعت علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع دولة قطر.
ويشيد زين المرقب، رئيس الجالية اليمنية في قطر بالموقف القطري نحو الجالية اليمنية، حيث يشير إلى ان قطر تولي الجالية اليمنية أهمية «خاصة» على حد وصفه، حيث تم تكريم الجالية اليمنية على أنها من الجاليات النشطة والفاعلة في الوسط القطري، وأوضح المرقب أن الجالية اليمنية تتفاعل بإيجابية في الوسط المجتمعي في قطر كونها جالية «نوعية» على الأغلب كما يصفها، مشيراً إلى ان 70 % منها يحملون مؤهلات علمية لا تقل عن درجة البكالوريوس ويعملون في مختلف مجالات الدولة المدنية والعسكرية والخدمية وأغلبها تتركز في المجال الطبي.
وطن ثانٍ
يبدي عبدالرحمن الشامي وهو أكاديمي يمني يُدَرّس في جامعة قطر اعجابه بحسن التعامل الذي يبديه القطريون مع غيرهم، سواء في زمالات العمل والمهنة أو على مستوى الحياة العامة والتعامل اليومي قائلاً «القطريون يمتازون بالأخلاق الرفيعة والأدب الجم والرقي في التعامل قولاً ومسلكاً، فهم أناس متحضرون يقدرون المرء حق قدره وينزلون الناس منازلهم». ويضيف الشامي عند سؤاله حول شعوره نحو الإقامة في قطر في ظل أن بلده قطع علاقاته الدبلوماسية مع دولة قطر فقد عبر عن سعادته بتواجده على الأراضي القطرية في بلد يسوده الأمن والأمان والاستقرار كحال كل من يقيم فيها من المواطنين والمقيمين. مضيفاً «لم يلحقني أي ضرر أو يطرأ على حياتي أي تغيير جراء الموقف السياسي غير المحسوب الذي أُملي على الرئيس هادي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر» حيث أوضح الشامي أن قرار المقاطعة لن تتضرر منه قطر اطلاقاً، وإنما يتضرر منه اليمن واليمنيون الذي يتمثل في حجم المساعدات القطرية التي كانت تقدمها قطر لليمن على المستوى الشعبي والرسمي فضلاً عن الكثير الذي يعيشون ويعملون في قطر.
ويُعقِّب الشامي على ذلك في أن دولة قطر لها موقف ثابت في مواقفها الخارجية ووقوفها إلى جانب الشعوب وخياراتها «فدولة قطر لا تعاقب الشعوب بمواقف حكامها ولا بسياساتهم، بل من الثابت والمعروف بالسياسية القطرية، وقوفها مع الشعوب وخياراتها فهي حقاً (قبلة المضيوم)».
ويؤكد فيصل العشاري، وهو عضو مجلس الجالية اليمنية على ما وصفه بـ«قيمة الرعاية الكريمة لأفراد الجالية اليمنية في قطر» ومدى التقدير الذي تحظى به الجالية اليمنية من قبل دولة قطر، حيث يصف انطباعه خلال الفترة التي أقامها في قطر بأنه لا يشعر معها بالغربة، ولكنه يشعر وكأنه في وطنه الثاني. مشيراً إلى أنه «خلال فترة إقامته في الدوحة والتي تمتد إلى عشرين عاماً بأنه لم يصادف أي مضايقات من قبل السلطات القطرية في مرافقها الخدمية المختلفة».
ويضيف العشاري بأنه لا يشعر بأن هناك فرقاً بينه وبين المواطنين القطرين، برغم أنه يسمع من بعض الدول المجاورة تعرض المقيمين فيها للتفتيش عن هوياتهم في الشارع وهذا ما لم يحصل إطلاقاً– بحسب تعبيره– خلال العشرين عاماً التي أمضاها في قطر باستثناء التفتيش العام المعروف الذي يحصل لأغراض أمنية تجري في العادة. كما أثار اهتمامه طبيعة انفتاح المجتمع القطري على الثقافات المختلفة، إضافة إلى العادات التي تجسد الهوية العربية الاصيلة التي تحظى بها البيئة الثقافية القطرية، ومدى انعكاس تلك الصفات الإيجابية على نفسية المقيم.
ونتيجة لقطع الحكومة اليمنية الشرعية علاقاتها مع قطر وطبيعة ظروفهم المعيشية في قطر نتيجة لتبعات القرار السياسي يقول العشاري «نشعر بالأسى من موقف الحكومة اليمنية حيث انحازت لدول الحصار مع علمنا المسبق لخلفيات هذا الانحياز» والذي يرى ان الحكومة لا تملك قرارها كونها تقبع تحت وصايتهم– حد تعبيره–، مثمناً تفهم السلطات القطرية حيث إنها لم تغير إجراءاتها تجاه اليمنيين المقيمين على أراضيها بل على العكس حيث تم احتواء الموقف بما وصفه «الانحياز الإيجابي لقضية اليمن العادلة».
الأصالة والمعاصرة والتنوع الثقافي
يقول علاء محسن وهو طالب ماجستير إنه سعيد جداً كونه قرر مواصلة دراساته العليا في قطر، مبدياً اعجابه بالهوية العربية التي تجسدها دولة قطر، حيث يرى أن «قطر مزجت بين الاصالة العربية حيث إني وجدت روح مدينتي وثقافتي هنا» ويضيف «وفي نفس الوقت قطر تمتلك بنية تحتية حديثة وانفتاحاً جيداً على العالم». كون ذلك حسب تعبيره يصعب المزج بين هذين الأنموذجين في بلدان أوروبا وأميركا، حيث توجد سيطرة ثقافية موحدة بينما لا تكون الثقافة الشرقية حاضرة بقوة في تلك البلدان. ويشير محسن إلى ان ما وصفه «بالتنوع الثقافي» الذي تحظى به قطر، يعد من أبرز الأشياء التي أثارت انتباهه ليس فقط على مستوى العالم العربي وحسب بل أبعد من ذلك على حد تعبيره، فضلاً عن التنوع الثقافي العربي في بيئة المعهد– معهد الدوحة حيث يدرس فيه– كون المعهد يضم عدداً من الطلاب العرب من مختلف البلدان العربية، حيث يرى محسن أن ذلك الثراء الثقافي والمزج بين الثقافات المختلفة وعدم سيطرة ثقافة واحدة يعد أحد الأشياء الإيجابية في بيئة المعهد. وعن انطباعه عن تعامل القطريين معه يقول برغم أن علاقاته محدودة مع القطريين لكن «الشهادة لله القطريون راقون جداً في التعامل وعندهم لباقة وترحيب بالآخر» ويضيف «اعتقد ان القطريين يتعاملون معي كـ(علاء) بغض النظر عن جنسيتي» مضيفاً «صحيح أن كثيرا من اليمنيين المقيمين خارج المعهد يلبسون الثوب والغترة والعقال ولهذا قد يكون تعاملا خاصا معهم إذا ما قارناهم بالجنسيات العربية الأخرى والأجنبية، لكن بالنسبة لنا في المعهد فإن القصة مختلفة».
قرار مختطف وثبات الموقف القطري
ويتحدث محسن حول شعوره وهو يقيم في دولة قطر في حال أن بلده قاطع قطر سياسياً ودبلوماسياً بأنه لم يشعر ان اليمن من دول المقاطعة غير الاخبار التي يقرأها في المواقع الصحفية، حيث يقول «القرار لم يؤثر على حياتي لا من قريب ولا من بعيد والقطريين على المستوى الاجتماعي لم يغيروا لهجتهم أو تعاملهم مع اليمنيين على عكس مثلاً الإمارات والسعودية»، ويضيف محسن ان الموقف القطري يقدر الموقف حيث انهم يدركون ان قرار الشرعية «مختطف» على حد وصفه خصوصاً وأنها تقيم في الرياض ولذلك لم يكن هناك أي ردة فعل وموقف من الشعب اليمني.
ويتحدث عمر عبدالوهاب وهو أحد أبناء الجالية اليمنية عن تجربته في الإقامة في دولة قطر وانطباعه عن البيئة القطرية عموماً، حيث يبدي إعجابه بما سمّاه «بالنموذج القطري من بين دول الخليج» في التعامل مع المقيمين وعدم شعوره بأنه مقيم قائلاً «عندنا إحساس بأننا مكون رئيسي من المجتمع القطري» كما يبدي سعادته بالموقف الرسمي الذي يبديه أمير دولة قطر الأمير تميم بن حمد آل ثاني في خطاباته الرسمية باعتزازه بشعبه والمقيمين على أراضيه في ذات الوقت، وجعل درجة المقيم مساواة مع المواطن القطري في كثير من الأشياء حسب وصفه.
وعن شعوره حول الموقف السياسي لبلاده الذي يقاطع دولة قطر سياسياً ودبلوماسياً يذكر عبدالوهاب أن قطر تفهم ان القرار السياسي ليس في يد الشعب اليمني وأن التصريحات التي وصفها «باللا مسؤولة» للمسؤولين اليمنيين لم تأثر على تعامل الدولة معهم، وأنها «توجيهات خارجية» في إشارة إلى الضغط الإقليمي المتمثل في المملكة العربية السعودية التي تقيم فيها الحكومة الشرعية منذ انتقال الرئيس عبده ربه هادي إلى الرياض بعد سيطرة جماعة الحوثي على عدن في 26 مارس 2015 وإعلان عاصفة الحزم بقيادة السعودية. ملفتاً إلى أن قطر لا تعامل أحداً نتيجة سيئات قرار بلده السياسي ليس فقط لليمنيين وانما على جنسيات كثيرة أيضاً، ويضيف أن قطر «لا تعامل المقيم الا على سلوكه وعلى تصرفاته الشخصية وليس على سلوك حكوماته» بل أنهم لن «يظلموا إنساناً بسبب سياسة خارجية أو بسبب حكومات فاسدة».
ويشير عبدالوهاب إلى انه خلال تجربته للعيش في قطر لمد أربعة أعوام فإنها كانت تجربة ناجحة ومريحة وعيشاً كريماً، مؤكداً ان ذلك ليس انطباعه بمفرده وحسب وإنما الكثير ممن يقابلهم إن لم يكونوا الكل يجمعون على ان قطر بحسب تعبيره «تحترم الإنسان أولاً» بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو تفكيره مادام يلتزم بالتوجيهات والنظام والقانون القطري.
ويعبر عن وجهة نظره وانطباعه حول قطر محمد الجرادي وهو مقيم يمني، حيث يشير إلى انه وجد البيئة القطرية كما كان يتوقعها حيث يصفها بأنها بلد «نخبوي» وتعكس الصورة التي يطالعها الآخرون عنها من خلال وسائل الاعلام المختلفة، مبدياً اعجابه بهدوئها واستراتيجياتها. وحول موقف بلده من المقاطعة يقول الجرادي «أشعر بحرج بالغ خاصة حين أقابل من أهل البلد نفس تعاملهم معي قبل المقاطعة وعدم انعكاسها عليهم».
ويعكس المواطنون اليمنيون المقيمون في قطر انطباعات ايجابية نحو دولة قطر وشعورهم كمكون رئيسي في أوساط الشعبي القطري، ويظهرون وقوفهم المساند لدولة قطر وقضيتها التي يصفونها «بالعادلة» وتتعرض لحملة إعلامية ظالمة، نتيجة للحصار المفروض عليها لأكثر من ستة أشهر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر. ويبلغ عدد الجالية اليمنية في قطر حوالي 24 ألف مواطن يمني بحسب رئيس مجلس الجالية اليمنية، يتفاعلون بانسجام مع محيطهم القطري ويعكسون في ذات الوقت وجهة نظر اليمنيين نحو دولة قطر حكومة وشعباً داخل وخارج حدود الوطن الجغرافية.
copy short url   نسخ
24/01/2018
10374