+ A
A -
الدوحة الوطن

أوضح فضيلة الداعية د. محمد حسن المريخي خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب أن هناك دعاء عظيما وسؤالا كبيرا لأمر جليل أمر الله تعالى عباده أن يدعوه ويسألوه إياه ويهديهم طريقه، ومنهجه القويم إنه سؤاله عز وجل الهداية للصراط المستقيم، فهل وقفتم على كبير هذا السؤال،؟ وجليل هذا الدعاء؟

أمر الله بسؤاله الهداية للصراط المستقيم في سورة الفاتحة، وهي ركن ركين في الصلاة، فلا صحة للصلاة بلا فاتحة الكتاب يسألون الله تعالى سبع عشرة مرة ليهديهم صراطه المستقيم في كل يوم وليلة، «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين»، أمر الله تعالى بسؤاله الهداية إليه كما أمر باتباعه والسير عليه ونسبه إليه، فهو صراطه المستقيم، فهو صراطه ووصفه بالمستقيم «وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون»، أرسل الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى هذا الصراط ليسلكوه، وبين سبحانه أن دعوة رسوله صراط مستقيم وهو صراط الله العظيم تدعوهم إلى صراط مستقيم، «وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور»، فما هذا الصراط الذي شرفه الله فنسبه إليه، وأن هذا صراطي مستقيما ووصفه بالاستقامة، وهل هناك صراط غيره؟ منحرف معوج؟ وهل للصراطين أهلون؟ مهتدون وضالون مقبولون ومردودون؟.

إن صراط الله المستقيم هو دينه الحنيف، هو الإسلام الذي جاء به رسوله محمد صل الله عليه وسلم، من عنده تبارك وتعالى، يقول الله تعالى «يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم»، وقال سبحانه «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون»، الصراط المستقيم هو دينه القويم، هو التوحيد، والعقيدة الحقة، كما كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، هو الصلاة، الصراط المستقيم هو الصلاة والصيام والزكاة والحج، هو الإيمان بالله وحدة وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء خيره وشره، هو الدين الحنيف من لا إله إلا الله إلا إماطة الأذى عن الطريق، هو السنة المطهرة بعد كتاب الله هو الذي يعرفه المسلمون من دين ربهم وهدي رسولهم صلى الله عليه وسلم.

وأضاف الخطيب: أمر الله تعالى عباده أن يسألوه الهداية لهذا الصراط، لأنه لا هادي له إلا الله، «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم»، ولأن الهداية المعتمدة المباركة التي تنفع العبد وتبلغه الأهداف والغايات الراشدات هي هداية الله، وليس غير الله تعالى كهداية فرعون وأمثاله، الذي قال «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد»، فقال الله تعالى عنه «يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود»، هذه هي هداية فرعون ومن نحا نحوه فإنها ضلال مبين، أما الهداية الحقة المباركة فهي هداية الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى «قل إن الهدى هدى الله» الذي يملكها ويتفضل بها، أما غيره فلا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، أو تكون هدايتهم مستمدة من هداية الله، فحين إذ تنفع بإذن الله، أما إذا كانت مخالفة معارضة لشرع الله ورسوله، فهي ضلالة محض لا تمت إلى الهداية بشيء، قال الله تعالى «قل إن هدى الله هو الهدى» كثير هم الذين يزعمون أنهم على هداية، وأنهم مهتدون منذ عهد النبوة الأولى وإلى اليوم، كل يزعم أنه على الهدى، فرد الله تعالى عليهم بقوله «قل إن هدى الله هو الهدى»، أي قل يا محمد، إن دينك الذي أرسلت به هو الهادي إلى طريق الفلاح هو الهدى الحقيقي، أما ما عند الناس إن كان مخالفا لما جئت به معارضا لسنتك، فإنما هي أهواء النفوس المنحرفة عن الحق الصادرة من شهوات في أنفسهم، الذي يدلكم على كبير مقام الصراط المستقيم، الذي هو دين الله العظيم، هو أن الله تعالى من بالهداية إليه على خير خلقه، وأجل أوليائه، وصفوة عباده، فهداهم إليه وسماه، سمى الله منته عليهم، نعمة أنعم بها عليهم، فقال الله عز وجل فقال العبد في سورة الفاتحة يدعو ربه «اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم»، فبين الله تعالى في سورة النساء، وعرف العالمين بفضلهم، فقال «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما»، وهذه عباد الله بشرى لمن أطاع الله والرسول، وكان على الهدي المستقيم، فإنه يكون يوم القيامة في صحبة الأنبياء وهم أرفع العالمين منزلة والصديقين الذين يصدوا بكل ما جاء به رسول الله تصديقا لا يخالجه شك ولا تحوم حوله ريبة والشهداء وهم الذين استشهدوا في سبيل الله ومن أجل إعلاء دينه وشريعته الصالحين وهم الذين صلحت نفوسهم واستقامت لوبهم وأدوا ما أوجب الله عليهم هؤلاء الأطهار والأخيار يصاحبهم يوم القيامة ويرافقهم المطيعون لله ورسوله في الجنة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كبير نعمة الله تعالى على من هداه للصراء المستقيم لهذا الدين وعمل به فلم يغير ولم يبدل حتى لقى ربه تبارك وتعالى.

ونوه الخطيب أن الصراط، صراطان، صراط مستقيم قد عرفتموه، وصراط منحرف معوج ولكل أهل وطائفة، والصراط المنحرف عباد الله هو صراط من غضب الله عليه من المغضوب عليهم، والضالين الذين عرفوا الحق وأعرضوا، وإخوانهم الذين ضلوا عن الحق، فلم يعرفوا ولقد سأل المؤمنون ربهم الهداية لصراطه المستقيم، كما سألوه أن يجنبهم صراط المغضوب عليهم الملعونين والضالين، وكل هؤلاء صادموا دعوة الحق، وعارضوا الرسول وحاربوه، وأصروا على عداوته، فهم أئمة هذا الصراط المنحرف، يتبعهم كل من سلك مسلكهم وأحبهم، ووقف معهم. من الكفار والمنافقين وملحدين وأعداء الله والرسول والدين، وأهل البدعة والشهوات والمخرفين وأهل الانحراف والذنوب والمعاصي، وأهل الفكر المنحرف والثقافة الخبيثة، والذين يكرهون الدين الحنيف وأهله من أهل الحسد والأحقاد، الذين في قلوبهم مرض وضغائن على المؤمنين، وأهل الصراط المنحرف.

ولفت د. محمد المريخي إلى أن أهل الصراط المنحرف من خبثهم يريدون الدنيا، أو يريدون الحياة، شهوات ومتعا وفسادا، يريدون الأمور عوجاء منحرفة لا يحبون ضوابط الشريعة، ويرفضون حدودها، يقول الله تعالى «فأذن مؤذن من بينهم أن لعنة الله على الظالمين»، اللعنة الله على الظالمين «الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون»، وقال سبحانه «ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون»، قال ابن عباس رضي الله عنهما «يصلون لغير الله ويعظمون ما لم يعظمه الله عز وجل».

وأكد الخطيب أن الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سمعتم هو صراط الله المستقيم، هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مستقيما، فقال هذا صراط الله المستقيم، أو قال هذا سبيل الله، وخط خطوطا عن يمينه وشماله، ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه رواه أحمد، ولا حظ عباد الله في الصراط المستقيم لمن عارض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن الله العلي الأعلى ظاهرا أو باطنا، أو أشار بأي إشارة بهوان الدين والسنة والقرآن والمسلمين، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، والإسلام منهج رباني ووحي من الله تعالى، الإسلام منهج يتبع وليس بابا مشرعا يبتدع فيه، ولا هو مزاج ولا هو عقل ولا فكرة ولا شهوة، يقدم ما تشتهي ويؤخر متى شبع منه أو من يصادم الرسول والدين ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمن المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا، وسبيل المؤمنين في الآية أول ما يطلق إنما يطلق على سبيل الصحابة منهجهم رضي الله عنهم وأرضاهم قال ذلك الله تعالى بعد ما قال «يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم»، وقال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم «فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين».

كثير عباد الله كثير هم الذين يزعمون أنهم على الصراط المستقيم، ولكن كما قال الله تعالى «وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون»، ومن يبتدع بدعة في الإسلام فقد احتمل بهتانا وإثما عظيما هدده رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشره بأنه يحمل أوزار نفسه، وأوزار من عمل بهذه البدعة، يقول عليه الصلاة والسلام «ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

وأردف: ليسوا على شيء من قاوم الحق، وركض ضده، يوقفه أو يصادمه، ولا من سخر من السنن، أو طعن في الصحب المكرمين وأزواج النبي أمهات المؤمنين، ولا من أخذ بشيء من الدين، وترك بعضه، ولا من رأى ضعف الدين، وقلة بضاعته وأرخص أهله، لقد أوصانا رسولنا عليه الصلاة والسلام بوصية عصماء، فقال لنا «إنه من يعش منكم يعني تطول به الأزمان والأعمار ليدرك آخر الزمان إنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة» رواه أبو داوود والترمذي وغيرهما. فما أحوجنا عباد الله، فما أحوجنا لاقتفاء الصراط المستقيم ونؤكد على ربنا في دعواتنا بهدايتنا للصراط المستقيم، الصراط المستقيم ما أحوجنا لهذا الدعاء، ونحن عباد الله في هذا الزمان الذي تكثر فيه الفتن والمحن والمتغيرات والتحولات والخيانات ومحاربة السنة ومحاربة الدين، فاتقوا الله رحمكم الله، فقد تفضل الله تعالى عليكم فأبان لكم صراطه المستقيم، ودلكم على المحجة والدين، وأقامكم على صراطه المستقيم، فقدروا النعم، وثمنوا المنن لعلكم تفلحون.

copy short url   نسخ
20/04/2024
10