+ A
A -
المركز العربي للأبحاث

هدد الرئيس الأميركي جو بايدن، للمرة الأولى، منذ بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الثامن من شهر أكتوبر الماضي، بأن الولايات المتحدة ستعيد النظر في مقاربتها الداعمة للحرب على القطاع، إذا لم تغير إسرائيل السياسيات التي تتبعها فيها.

جاء ذلك في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في الرابع من شهر نيسان/‏ أبريل الجاري، على خلفية استهداف إسرائيل مركبات إغاثة إنسانية تابعة لـمنظمة «المطبخ المركزي العالمي» في غزة في الأول من الشهر نفسه، ما أدى إلى مقتل ستة من عامليها الغربيين، بينهم أميركي، بالإضافة إلى سائقهم الفلسطيني.

وقال بايدن في أعقاب الهجوم أنه يشعر بـ«الغضب والحزن الشديد» جراء ذلك، وأكد أن إسرائيل لا تفعل ما يكفي لحماية عمال الإغاثة الذين يحاولون تقديم المساعدة للمدنيين الذين هم في أمس الحاجة إليها... كما أن إسرائيل لا تفعل ما يكفي لحماية المدنيين«. والجدير بالذكر أنه قبل المكالمة بيومين جرت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ويسكنسن، حيت قرر أكثر من 47 ألف ناخب ديمقراطي عدم التزامهم بالتصويت لبايدن، ما تسبب بقلق كبير لدى حملة الرئيس، سيما وانه فاز على ترامب في الانتخابات السابقة بفارق يزيد قليلا عن 20 ألف صوت في هذه الولاية. ويرتبط هذا السلوك التصويتي للناخب الديمقراطي بموقف الرئيس الداعم لإسرائيل في عدوانها على غزة.

المطالب الأميركية وحدود التجاوب الإسرائيلي

شدد بايدن في هذه المكالمة، وفقًا لبيان البيت الأبيض، على «أن الضربات التي تستهدف العاملين في المجال الإنساني، فضلاً عن الوضع الإنساني (في قطاع غزة) بشكل عام غير مقبولة». وأشار البيان إلى أن بايدن أوضح: ضرورة أن تعلن إسرائيل وتنفذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة والقابلة للقياس لمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة (في قطاع غزة). وطالب بايدن نتانياهو بـ»الوقف الفوري لإطلاق النار لتحقيق الاستقرار وتحسين الوضع الإنساني وحماية المدنيين الأبرياء.. وحثه على تمكين مفاوضيه، دون تأخير، من التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن إلى ديارهم«. كما أكد أنه سيعيد النظر في «السياسة الأميركية في ما يتعلق بغزة» بناء على التقييم الذي ستجريه إدارته «للخطوات الفورية التي ستتخذها إسرائيل».

ورغم أن البيان لم يحدد التداعيات التي يمكن أن تواجهها إسرائيل إذا لم تأخذ تهديدات الرئيس على محمل الجد، إلا أن وسائل اعلام أميركية مختلفة وصفت المكالمة، التي دامت نصف ساعة، بأنها كانت «متوترة»، ونقلت عن مصادر في إدارة بايدن قولها إن الرئيس يتوقع «تغييرات» إسرائيلية ملموسة. ووفقاً لثلاثة مسؤولين أميركيين فإن بايدن وجه إنذاراً لنتنياهو بأنه إذا لم تغير إسرائيل مسار الحرب في قطاع غزة، فإنه سعيد النظر في الدعم المقدم لها. وكرر وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، التأكيد على ذلك بالقول: «إذا لم نر التغييرات التي نحتاج رؤيتها فسيكون هناك تغيير في سياستنا».

مع ذلك لا يبدو واضحا ما الذي سيترتب على التفاف نتانياهو على طلبات واشنطن، هل يتضمن ذلك مثلا وقف شحنات الأسلحة لإسرائيل أو وضع شروط على تصديرها، كما يطالب عدد من المشرعين الديمقراطيين؟ لكن بايدن لم يشر على وجه التحديد إلى إمكانية تقليص إمدادات الأسلحة أو وقفها خلال المكالمة، كما أنه لم يحدد سقفاً زمنياً لإسرائيل للتجاوب مع مطالبه، ومن ثمَّ فإن تداعيات استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على الموقف الأميركي تبقى غير واضحة. على النقيض من ذلك، يبدو أن إدارة بايدن ذاهبة باتجاه تخفيف حدة لهجتها من إسرائيل، بزعم أنها آخذة بالتجاوب معها، فقد أشار بايدن بعد يوم واحد من مكالمته الهاتفية مع نتانياهو بأن الإسرائيليين «يفعلون الآن ما طلبت منهم القيام به». وهو ما أكدته الناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أدريان واتسون، بقولها «نرحب بالخطوات التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية الليلة بناء على طلب الرئيس بعد مكالمته مع رئيس الوزراء نتانياهو». وكانت الحكومة الإسرائيلية، أعلنت فور انتهاء المكالمة الهاتفية بين بايدن-نتانياهو أنها وافقت على السماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية «مؤقتاً» إلى قطاع غزة عبر ميناء أسدود ومعبر إيريز في شمال القطاع، بالإضافة للسماح بتدفق المزيد من المساعدات الأردنية عبر معبر كرم أبو سالم على الحدود مع مصر. كما أعلنت أنها ستنشئ نظاماً جديداً ومحسناً لـ«منع الاشتباك»، بهدف ضمان إيصال المساعدات إلى داخل قطاع غزة، في إشارة إلى تطبيق إجراءات جديدة تضمن سلامة موظفي عمليات الإغاثة الإنسانية، مع تأكيدها أن ذلك سيتم بما «يضمن استمرار القتال وتحقيق أهداف الحرب»، وهو ما يعني عملياً عدم استجابة إسرائيل لطلب بايدن بـ«الوقف الفوري لإطلاق النار».

إضافة إلى ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قرر طرد أو توبيخ خمسة ضباط كبار بموجب التحقيق الذي أجراه حول مقتل موظفي «المطبخ المركزي العالمي»، معللا ذلك بأن الضباط «الذين وافقوا على شن الغارة كانوا مقتنعين بأنهم يستهدفون نشطاء مسلحين من حماس»، وبأن الهجوم كان «خطأ فادحاً نابع من الفشل في تحديد هوية» المستهدفين. لكن التحقيق داخل الجيش الإسرائيلي لا يعد محايدا. وتوبيخ خمسة ضباط لا يرقى رغم الاعتراف بالمسؤولية إلى المطلب الأميركي الذي حدده بلينكن بضرورة إجراء «تحقيق مستقل وشامل وعلني». وهو على كل حال مطلب متناقض فكيف تقوم إسرائيل بالتحقيق مع نفسها تحقيقا موضوعيا أو مستقلا؟

أما بخصوص مطلب «الوقف الفوري لإطلاق النار» و«التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن إلى ديارهم»، فيرى بايدن أنه «ينبغي أن يكون هناك وقف لإطلاق النار كجزء من صفقة الرهائن ويجب أن يحدث ذلك على الفور». ولهذا السبب حث بايدن نتانياهو «على تمكين مفاوضيه من إبرام صفقة دون تأخير»، كما طلب بايدن بضرورة ان تعمل إسرائيل على التوصل إلى تسوية مع حماس بشأن شرطها حول عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة. كما طالب مصر وقطر بالضغط على حماس لتقديم تنازلات هي الأخرى بشأن شروطها من أجل إتمام صفقة تبادل الأسرى.

حدود التغير في المقاربة الأميركية

يبدو التغيير المحتمل في المقاربة الأميركية إن لم تستجب إسرائيل لمطالب إدارة بايدن محصوراً، بحسب بيان البيت الأبيض، بإدارة الحرب في غزة، بناء على التقييم الذي ستجريه الإدارة «للخطوات الفورية التي ستتخذها إسرائيل»، هذا يعني أن الدعم الأميركي لإسرائيل بشكل عام، بما في ذلك شحنات الأسلحة إليها، سيستمر. وكان لافتاً أن بيان البيت الأبيض الذي ذكر التغيير المحتمل في السياسية الأميركية شدد على دعم واشنطن لإسرائيل في مواجهة «التهديدات الإيرانية العلنية ضد إسرائيل»، علما أن إسرائيل كانت قد شنت قبل ذلك بساعات هجوماً استهدف مبنى مجاور للسفارة الإيرانية في دمشق أسفر عن قتل سبعة ضباط من الحرس الثوري الايراني، بينهم مَسؤولَيْن ِكبيرين.

ورغم تأكيد بلينكن أنه «إذا لم نر التغييرات التي نحتاج إلى رؤيتها (من قبل إسرائيل في قطاع غزة)، فسيكون هناك تغيير في سياستنا»، فإن الوزير الأميركي لم يقدم تعريفا واضحا لماهية ذلك التغيير، ومداه، وهو عكس ما يطالب به مشرعون كبار في الحزب الديمقراطي، بما فيهم السناتور المقرب من بايدن، كريس كونز، ورئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بلوسي. وفي الأسابيع الأخيرة، أخذ عدد متزايد من المشرعين الديمقراطيين يطالب برهن المساعدات العسكرية لإسرائيل باستجابتها للشروط الأميركية، أو بتقديم أسلحة دفاعية فقط لها في هذه المرحلة. بل إن بايدن نفسه، وبعد يوم واحد من مكالمته مع نتانياهو وتهديده بتغيير السياسة الأميركية نحو العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سخر من فكرة قطع إدارته المساعدات عن إسرائيل. وذكرت وسائل اعلام أميركية أن إدارة بايدن كانت وافقت على إرسال المزيد من الأسلحة والذخائر لإسرائيل في اليوم نفسه الذي قتل فيه موظفي مؤسسة «المطبخ المركزي العالمي»، بما في ذلك أكثر من 1000 قنبلة تزن 500 رطل و1000 قنبلة ذات قطر أصغر.

ويرى خبير الأسلحة السابق في وزارة الخارجية الأميركية، جوش بول، والذي استقال احتجاجاً على سياسات الإدارة في قطاع غزة، أن القنابل ذات القطر الصغير التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل قد تكون هي التي استخدمت في قصف قافلة «المطبخ المركزي العالمي».

ورغم معارضة بايدن لاجتياح إسرائيلي محتمل لمدينة رفح دون خطط واضحة للتعامل مع قرابة مليون ونصف مليون نازح فلسطيني مقيمين فيها، فقد وافقت إدارته على حزمة جديدة من الأسلحة لإسرائيل بقيمة 2.5 مليار دولار تشمل 25 مقاتلة من طراز «إف-35 إي»، بالإضافة إلى أكثر من 1800 قنبلة «إم.كيه 84» وزن ألفي رطل، و500 قنبلة «إم.كيه82» وزن خمسمائة رطل، وهي القنابل التي تستخدمها إسرائيل في ارتكاب المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، اللذين تزعم إدارة بايدن أنها تريد تقليل الخسائر في صفوفهم.

فوق ذلك، أعلنت إدارة بايدن مطلع شهر نيسان/‏ أبريل الجاري موافقتها المبدئية على صفقة بقيمة 18 مليار دولار لبيع إسرائيل 50 طائرة مقاتلة من طراز إف-15، بالإضافة إلى محركات وأنظمة مدافع ورادارات وأنظمة ملاحية، فضلاً عن صواريخ جو-جو، وذخائر هجومية متقدمة، وإنشاء بنى تحتية لوجستية وتطويرها، وتقديم تدريب وأعمال صيانة للأسطول الجوي الإسرائيلي. وكانت إسرائيل تقدمت، خلال زيارة وزير دفاعها، يوآف غالانت، لواشنطن أواخر شهر مارس الماضي بطلب آخر لشراء المزيد من طائرات إف-35..

ورغم أن هذه الصفقات الضخمة التي تراجعها حاليّاً لجنتا «العلاقات الخارجية» في مجلسيِّ النواب والشيوخ، يحتاج تنفيذها إلى خمس سنوات على الأقل في حالة مقاتلات إف-15، الا أن إدارة بايدن تبدو مستعجلة في ابرامها رغم أنها تتعرض لضغوط كبيرة من قبل قواعد الحزب الديمقراطي وبعض مُشّرِّعيهِ في الكونغرس لاستخدام ورقة التسليح أداة ضغط على إسرائيل لتغيير مقاربتها في الحرب على غزة. لكن بلينكن يرى أن استمرار نقل الأسلحة لإسرائيل يهدف إلى معالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية الأوسع، بما يتجاوز الصراع في غزة. وأن إبطاء مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل أو خفضها أو وضع شروط عليها قد يشجع إيران وحلفائها الإقليميين على مهاجمتها، ويضعف قوة الردع الإسرائيلية ضدهم.

كل هذا يعني أن إدارة بايدن غير مستعدة للذهاب أبعد من انتقاد السلوك الإسرائيلي في قطاع غزة إلى خطوات عملية لإجبارها على تغيير هذا السلوك. وكانت إدارة بايدن قد امتنعت في 25 آذار/‏ مارس الماضي عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار تبناه مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن كل المحتجزين، والسماح بدخول المزيد من المساعدات للقطاع، وهو ما أثار غضب نتانياهو الذي ألغى زيارة وفد إسرائيلي حينها إلى واشنطن لمناقشة خطة اجتياح مدينة رفح. غير أن الرد الأميركي جاء بأن القرار غير ملزم لإسرائيل، على أساس أنه مدرج تحت البند السادس، وأنه لا يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار. وكان بايدن اعتبر في العاشر من شهر آذار/‏ مارس الماضي أن اجتياحاً إسرائيلياً لرفح سيكون بمثابة «خط أحمر بالنسبة له»، إلا أن البيت الأبيض سارع إلى نفي أن الرئيس قصد وجود عواقب لتجاوز إسرائيل لذلك الخط الأحمر.

خاتمة

تذهب أكثر التقديرات إلى أنه في غياب قرار أميركي باتخاذ إجراءات فعلية لإجبار إسرائيل على تغيير سلوكها في غزة، فإن نتانياهو سوف يحاول على الأرجح المناورة والالتفاف على المطالب الأميركية لتجنب صدام مباشر مع إدارة تعد الأكثر قربا من إسرائيل على الاطلاق. لكن في المقابل، تنصرف الأنظار حاليا إلى مجلس النواب الأميركي الذي سيصوت في الأيام القليلة القادمة على حزمة مساعدات عسكرية واسعة بقيمة 95 مليار دولار لكل من أوكرانيا وتايوان وإسرائيل. ويبدو إلى الآن أن 20 نائباً ديمقراطياً قد يرفضون، على خلفية عدم وضع شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل، التصويت إلى جانب الأغلبية الجمهورية الضئيلة، التي تعاني هي نفسها من الانقسام على خلفية المساعدات لأوكرانيا تحديدًا. وهو الأمر الذي قد يعني فشل إقرار هذه الحزمة من المساعدات التي يطالب بها البيت الأبيض. يبقى احتمال أن يضطر بايدن القلق من انقسام قاعدته الديمقراطية بشأن الحرب في غزة، على بعد نحو سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية، إلى اتخاذ إجراءٍ ما يدفع إسرائيل للاستجابة لمطالبه لإرضاء قاعدة حزبه، وإنقاذ حظوظه الانتخابية.

copy short url   نسخ
20/04/2024
0