+ A
A -

نميل بشكل عام إلى الأشخاص الذين يشبهوننا ويشتركون معنا في الصفات النفسية والسمات الشخصية، لكن الواقع يخبرنا بأنه لا يوجد اثنان على وجه الأرض يتطابقان في كل شيء حتى التوائم الحقيقيون؛ فلكل شخصيته الفريدة وكيانه المستقل.

من عادتنا أيضاً البحث عن أشخاص يشبهون الملائكة رغم أنه لا وجود لأمثال هؤلاء في هذا العالم. طالما أنك لستَ ملاكاً ولن تكون أبداً ملاكاً فكيف ستجد ملائكة تمشي على الأرض؟! نحن بشر ممزوجون من تناقضات وأضداد عديدة. في داخلنا تكمن بذور الخير والشر معاً. الإيثار والأنانية، الصدق والكذب، الإخلاص والخداع. لا وجود للون الأبيض المطلق أو الأسود المطلق في عالم البشرية، وإنما خليط من الألوان.

إن حلمنا بأن نكون كاملين يدفعنا للبحث عن الكمال في الآخرين، لكنه غير موجود أبداً. وإذا تقبلنا هذه الحقيقة فسندرك كم هي الحياة جميلة بالاختلاف والتنوع. فلكل إنسان طباع وسمات تميزه عن غيره، ولا أحد مطالب بأن يقارب الكمال؛ فبإمكاننا تقبل الآخرين تماماً كما نتقبل أنفسنا، بنقصنا وقابليتنا لارتكاب الأخطاء وضعفنا الكامن.

وبما أنك لن تجد شخصاً كاملاً تجتمع فيه كل الصفات التي تحبها وتهواها، فإن ذلك لا يدعو لليأس والإحباط، بل هناك حل. قسم الناس إلى فئات: فلان تعجبك أفكاره ووجهات نظره وطريقة تفكيره، فتتخذه قدوة لك في منهج التفكير. وآخر يبهرك أسلوبه في الإلقاء والظهور أمام الجماهير، فتقتدي به في هذا المجال. وثالث يأسرك بروحه المرحة وقدرته على الضحك في أصعب الأوقات وإشاعة البهجة فيمن حوله، فتتخذه معلماً لك في هذا المنحى، وهكذا دواليك. إن الناس مختلفون ولكل واحد فيهم سمات تغلب على أخرى. بعضهم يميلون إلى استخدام المنطق في حياتهم أكثر من العاطفة، وآخرون تتحكم عواطفهم في جميع تحركاتهم، وفريق ثالث يوازن بين الأمرين. منهم الكريم ومنهم البخيل وما بينهما، منهم الصادق ومنهم الكاذب وما بينهما، وهلم جرّاً.

لن تجد جميع الصفات مجتمعة في شخص واحد، فابحث عن صفة واحدة أو أكثر في كل شخص تريد مصادقته وإقامة جسور المحبة معه، وركز على تلك الصفة محاولاً قدر المستطاع تجاهل الصفات الأخرى التي لا تعجبك فيه.

يمكنك أن تسعد بصحبة صديقك عبدالله على سبيل المثال؛ لأنه يمتعك بمناقشاته الفكرية الشيقة، في حين أنه ليس الصديق المناسب لممارسة الأنشطة الرياضية التي بوسعك أن تشاركها رفيقك الرياضي خالد. قد تجد في ناصر خير ملجأ عندما تريد البوح بمكنونات صدرك وتأمل من يقف إلى جانبك، في حين أن قريبك حمدان لا يمكن الإفصاح أمامه بأي شيء لأنه ببغاء متنقل لا يستطيع كتمان سر على الإطلاق مهما حاول، فلسانه يخونه.

وعلى هذا المنوال، يمكنك أن تقسم الناس إلى فئات فتجد في فلان ما لا تجده في علان. وبهذا تحصل على كل الصفات والأشياء التي تنشدها في الآخر في أشخاص متعددين، بدلاً من توقع اجتماع كل السمات التي تحبها في شخص واحد يصعب للغاية أو يستحيل تقريباً اجتماعها كلها فيه.

إن هذه الطريقة الذكية لن تساعدك على اكتساب المزيد من الأصدقاء فحسب، بل ستجعلك تتقبل الآخرين كما هم، وتحبهم كما هم، تماماً كما تريدهم أن يحبوك كما أنت بإيجابياتك وسلبياتك. كما أن عدم توقع كل شيء من شخص واحد هو قمة الاتزان والنضج النفسي؛ لأننا لسنا ملائكة ولن نكون أبداً كاملين مهما حاولنا. كل منا لديه صفات إيجابية وأخرى سلبية، والإنسان الذكي هو من يركز على السمات الإيجابية فيمن حوله، ويحاول تقبل سلبياتهم حتى تستمر الحياة وتزهر أيامه بالصداقة والمحبة.

copy short url   نسخ
15/04/2024
295