+ A
A -
محمد حربي كاتب وصحفي مصري

غابت المعايير، وحلت محلها الانتقائية، وتبدلت المفاهيم عند التفرقة بين المقاومة المشروعة، والإرهاب- استخدم هذا المصطلح لأول مرة إبان الثورة الفرنسية 1789-1799 وأطلق على الأعمال التي قام بها الثوار اليعقوبيون ضد معارضي الثورة- فعمدت القوى الإمبريالية الغربية، وعبر الآلة الإعلامية الصهيونية، إلى تزييف الحقائق؛ وتضليل الرأي العام العالمي، عن طريق عملية الخلط- عن قصد- بين السلوك الإرهابي «شريعة الغاب»، ونضال الشعوب، في سبيل تقرير مصيرها. وعلى رأي المثل الشعبي العربي «قطعت جهيزة قول كلّ خطيب»؛ فسرعان ما حسم فقهاء القانون الدولي هذا اللغط، ليبينوا للناس الخيط الأبيض من الخيط الأسود، للتمييز بين المقاومة المشروعة، والإرهاب، لتلتصق الصفة الإرهابية بالمحتل والمستعمر وحده؛ ويعزز ذلك، اعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، بمثابة استعمار أجنبي، وتقر حق النضال الفلسطيني المشروع.

وإذا كان تاريخ البشرية شاهدا على طي صفحة النظم الاستعمارية؛ حيث زالت الفاشية من إيطاليا، ومعها العنصرية من روديسيا، وكذلك «الأبارتهايد» من جنوب إفريقيا. وإذا كانت الحركات الشعبية الأوروبية؛ مازالت تفخر بأنها ألحقت الهزيمة بالنازية؛ فإن الفلسطينيين ليسوا استثناء من ذلك. ولا ينبغي أن يخرج من يدعوهم بإلقاء البندقية، وحمل غصن الزيتون؛ فيحرم عليهم حمل السلاح لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بينما كان مباحاً للكثيرين من غيرهم في ميادين النضال الأخرى ضد المستعمرين في الماضي. وهذا التناقض، عبر عنه أمير الشعراء، الشاعر المصري أحمد شوقي في قوله: «أحرام علي بلابله الدوح.. حلال على الطير من كل جنس». وطالما أن كل الطيور سواسية في ميدان النضال؛ فإنه من حق المقاومة الفلسطينية بذراعيها: السياسي، والعسكري، أن تقود كفاحاً مسلحاً؛ من أجل التحرر، وحق تقرير المصير.

ويُعد القاسم المشترك، بين المقاومة الفلسطينية، وكافة حركات التحرر الأوروبية، والإفريقية، والآسيوية، وحتى الأميركية، هو الاحتلال. وعليه فإن الكفاح الفلسطيني المسلح يكتسب شرعيته، من عدم شرعية المحتل الإسرائيلي؛ فهذا المحتل، تعتبره الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمثابة مستعمر أجنبي، والفلسطينيون حينما يناضلون، فهم يمارسون حقهم في إطار الشرعية الدولية. وقد سجل التاريخ العديد من مواقف الأمم المتحدة الداعمة لتعزيز حق الفلسطينيين من أجل تقرير المصير؛ وفي سبيل تأكيد ذلك صدرت العديد الأممية، منها: أكثر من 136 قراراً من الجمعية العامة للأمم المتحدة، و60 قراراً من مجلس الأمن، و10 قرارات من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولجنة حقوق الإنسان، و14 قراراً من اليونسكو، و30 قراراً من منظمة الصحة العالمية. وجميعها تؤكد مدى الشرعية الأخلاقية والسياسية لكفاح التحرير؛ الذي تخوضه الشعوب المقهورة، بما فيها الفلسطيني، ضد المحتل، وبجميع الوسائل المتاحة؛ حتى المسلحة.

حقاً، فما أكثر القرارات الأممية الداعمة لشرعية الكفاح الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي!؛ ومع ذلك فقد تجد من يخرج بين الحين والآخر، ويهاجم المقاومة الفلسطينية، وينتقدها، وربما يصفها بالإرهاب؛ وقد يحملها دماء الشهداء المدنيين، الذين يحصد أرواحهم رصاص الاحتلال الجبان؛ عندما يعجز في الوصول للمقاومة. ومن ذا الذي لم يفجعه سقوط أكثر من 33 ألف شهيد، وما يزيد على 66 ألف جريح، غير المفقودين، ودمار كامل للبنية التحتية، في قطاع غزة، منذ عملية «طوفان الأقصى»، يوم 7 أكتوبر عام 2023م. وإذا كان التراب الفلسطيني قد تخضب بمسك الآلاف من دماء الشهداء الفلسطينيين المدنيين الأبرياء؛ إلا أنه ينبغي على الجميع أن يعلم كم دفعت الشعوب الأخرى، كروسيا نحو 20 مليون ضحية، والجزائر مليون ونصف شهيد، وغيرهما من أرواح المدنيين الأبرياء، وكلها كانت مهراً، لتحرير واستقلال الأوطان.

إن معركة المقاومة الفلسطينية الحقيقية الآن، هي مع الصهيونية، ذات القدرة العجيبة على إدارة الرؤوس، وكذلك تشكيل الرأي العام العالمي، وتوجيهه، عن طريق وسائل الإعلام، ووكالات الأنباء المختلفة، لتشويه صورة النضال الفلسطيني المشروع، وإلصاق تهمة الإرهاب به. وتكمن الإشكالية الحقيقية في عدم قدرة الإعلام العربي والإسلامي على مواجهة آلة الإعلام الصهيوني، وسيطرة الصهيونية على أهم وكالات الأنباء العالمية، التي تبث ما تريد من المفاهيم المغلوطة، التي تخدم بني صهيون، حيث أسس شكرابيس هوارد وكالة الأنباء «سكرابيس هوارد يونايتدبرس»، وفي عام 1909 أسس وليام هيرست وكالة الأنباء «إنترناشونال نيوز سيرفيس»، كما قام أحد أفراد عائلة هافاس بفرنسا عام 1835 بتأسيس وكالة أنباء «هافاس»، التي أصبحت فيما بعد الوكالة الرسمية لفرنسا.

ويبقى أخطر ما فعله الإعلام الصهيوني الماكر، ومن سار في ركبه، أن الأمر لم يقتصر على مجرد الخلط في المفاهيم بين المقاومة والإرهاب؛ بل تجاوز أكثر من ذلك، حيث استطاعت الصهيونية، غزو العقول، والتأثير على الوعي الثقافي؛ حتى تحولت القضية الفلسطينية، من قضية أمة بأبعادها العقائدية والثقافية والتاريخية، إلى قضية وطنية في نطاق جغرافي محدد، تقتصر على من يسكنها؛ بل وصل الأمر إلى أنها أصبحت قضية فصائل، وكل فصيل يعزف على ربابته!. والسبيل الوحيد لمواجهة هذا التآمر الإعلامي الصهيوني، يكون من خلال صحوة إعلامية عربية، وزيادة الوعي الجماهيري العربي والإسلامي، بقيمة المقاومة الفلسطينية، وشرعية سلاحها في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وأنه مهما ارتكب من جرائم إبادة جماعية، فإن الفلسطينيين لن يرحلوا عن أرضهم، وهم صامدون في غزة، وغدا سوف تروي دماء الشهداء، أشجار الزيتون، وكما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش: «خاصرتها بالألغام، وتنفجر، لا هو موت، ولا هو انتحار.. إنه أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة»[email protected]

copy short url   نسخ
15/04/2024
10