+ A
A -
أكرم الفرجابي

رصدت الوطن خلال جولة ميدانية مصورة كواليس عديدة وتفاصيل فريدة من نوعها يعيشها سائقو «الدليفري» خلال شهر رمضان، فهم يعملون كجنود مجهولين خلف إفطار الأسر والشباب بالمنازل، ففي كل حدث أو فعالية أو حتى مناسبة دينية هناك جنود مجهولون يعملون بصمت لإنجاح المناسبة، فهناك من يعمل في هذا الشهر الفضيل من دون أن يحدث ضجيجا.

ويجدون أثناء عملهم الشاق في الطرقات الرعاية من متطوعي توزيع الوجبات عند أذان الإفطار بالتمور والعصائر التي يتلقونها أثناء رحلتهم، وهذا ما يجعلهم سعداء بهذه المهنة التي قد لا يجنون منها أحياناً – على حد تعبيرهم – سوى كلمات الشكر الباردة، وعبارات العتاب واللوم على التأخير في معظم الأحيان، فهم بعيدون من الأضواء التي تسلّط على أشخاص غيرهم، لكن في الوقت عينه لا يمكن لهذا الحدث أو المناسبة أن تنجح من دون وجودهم.

وتملأ الدراجات النارية شوارع الدوحة بشكل يومي طوال شهر رمضان ويزداد زخمها أكثر عند وقت الذروة تحديدا في الساعتين اللتين تسبقان الإفطار، حيث يضع سائق «الدليفري» حياته على المحك للوصول إلى المكان المنشود في الوقت المناسب، وبالتالي يكون تحت ضغط مستمر لحين توصيل الطلب إلى الزبون، ليبدأ في توصيل طلب جديد، وهكذا يقضي يومه جيئة وذهاباً بين مكان العمل ومسكن الزبون، ساعات طويلة من قبل أذان المغرب وحتى ساعات الفجر.

حيطة وحذر

وفي السياق يقول سيراج هاغ، سائق دليفري لدى إحدى شركات التوصيل، أن الساعتين اللتين تسبقان الإفطار هما الأخطر في عمله نتيجة حالة الطيش للسائقين في الشوارع، مشيراً إلى أنه يحاول قدر الإمكان أن يلتزم الحيطة والحذر اللازمين لأنه في حال وقوع أي حادث سيكون هو الضحية ومن سيتعرض إلى الضرر الأكبر.

وروى هاغ أنه شاهد حادث صدم سيارة لسائق دراجة قبل أشهر ما أدى إلى تعرض الأخير لكسور في يده وقدمه، الأمر الذي يدفعه في بعض الأحيان إلى التفكير بترك هذا العمل، لكنه يصطدم بواقع عدم توفر عمل آخر له، خاصة وأنه لا يحمل شهادات خبرة، تمكنه من الحصول على عمل أقل خطورة في مكان آخر غير هذه المهنة.

تركيز ويقظة

ومن جانبه يشير جابيت أكتر، سائق «دليفري» في إحدى شركات التوصيل، إلى أنه يدرك الخطر الكبير الذي يصاحب عمله، لكنه لا يملك أي خيار سوى قيادة الدراجة التي يتقنها منذ كان مراهقاً، منوها بأنه لم يتعرض إلى أي حادث تصادم نتيجة خبرته فهو يعمل بهذه المهنة منذ عدة سنوات، لكنه في الوقت ذاته يشير إلى أن مهنة توصيل الطلبات مهنة صعبة وعلى سائق الدراجة أن يبقى متيقظاً لأن حياته على المحك.

ويقول جابيت أن سرعة سائقي المركبات في الشوارع الرئيسية تهدد حياتنا في أي لحظة، لكنه مضطرا للعمل في هذه المهنة لتأمين مصدر دخل يتدبر فيه أموره، لافتا إلى أنه كان يدرك خطورة هذه المهنة منذ البداية، فهي مهنة تعتمد على السرعة في إيصال الطلبات، ولكن بالرغم من جهودهم الجبارة لا يجنون من بعض العملاء، سوى كلمات الشكر الباردة، وعبارات العتاب واللوم، على التأخير في معظم الأحيان.

مواجهة الخطر

وتصطف أمام المطاعم في الدوحة وضواحيها عشرات الدراجات النارية، وتتلقى يومياً مئات الطلبيات المنزلية خلال ساعات الإفطار وحتى يحين موعد السحور، حيث يحمل سائق «الدليفري» شؤوناً وشجوناً، أولها أن هناك تعباً نفسياً وجهداً معنوياً يعيشه، بدءاً من تسلّم شحنة الطلبات من المشرف في المطعم، الذي بدوره أيضاً لا يهمه مثلاً إشكالية تشابك الأماكن وصعوبة الوصول إلى العناوين أحياناً.

ولا تخلو مهنة توصيل الطلبات في شهر رمضان المبارك من صعوبة البحث ومشقة التواصل مع الزبون للاستدلال على المواقع، وقد يستغرق في ذلك وقتاً طويلاً لبلوغ الهدف، كما يعاني من زحمة الشوارع خاصة أن تحركهم يكون في وقت الذروة خلال الساعتين اللتين تسبقان الإفطار، ويواجهون خطر السيارات السريعة التي تشكل «هاجساً يومياً لا مهرب منه» قد يعرض حياتهم لخطر الموت أو الإعاقة لا سمح الله.

تحديات كبيرة

ويواجه عمال توصيل الطلبات في المطاعم تحدياً كبيراً خلال شهر رمضان لإيصال وجبات الإفطار إلى الزبائن وقت أذان المغرب، فالجميع يريد طعامه وقت انطلاق المدفع، وتعلن المطاعم حالة الطوارئ طوال الشهر، وتضع استراتيجية لمواجهة زحام توزيع الوجبات في وقت واحد، خلال نحو «45» دقيقة تمثل توقيتاً حرجاً قبيل انطلاق مدفع الإفطار، ولا يختلف الأمر كثيراً خلال وجبات السحور، بينما يلجأ عمال التوصيل إلى ابتكار وسائلهم الخاصة للإسراع في إيصال الطلبات في وقت قياسي.

الأمر الذي يعرضهم أحيانا إلى الإصابات الخطيرة الناتجة عن حوادث دراجات التوصيل النارية على الطرق، فقد تم في الآونة الأخيرة رصد تزايد في أعداد العمليات الجراحية لمعالجة إصابات الرأس والدماغ والكسور العظمية، إضافة إلى بعض عمليات بتر الأطراف المصابة تزامنا مع الأعداد غير المسبوقة من الإصابات الخطيرة المتعلقة بحوادث دراجات التوصيل، الفعل الذي يتطلب مسؤولية كافة مستخدمي الطرق للمساهمة في الحفاظ على سلامة سائقي دراجات التوصيل والحفاظ على حياتهم، باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة للإصابة على الطرق أثناء أداء عملهم الشاق والمرهق، حيث إن دراجاتهم تفتقر إلى الغلاف المعدني الذي يقيهم من الصدمات في الحوادث المرورية، لذا يتعين عليهم توخي الحذر على الطرق العامة.

copy short url   نسخ
08/04/2024
60