غض البصر أن يغمض المسلم بصره عما حُرم عليه، ولا ينظر إلا لما هو مباح له النظر إليه، وإن وقع نظره على مُحَّرمٍ من غير قصد فليصرف بصره سريعا ولا يتمادى في النظر.. قال الله تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ» (النور:31:30).
قال القُرطُبِيُّ: «البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمَرُ طرقِ الحواسِّ إليه، وبحسَبِ ذلك كَثُرَ السُّقوطُ مِن جهتِه، وَوَجب التحذير منه، وغضُّه واجبٌ عن جميع المُحرَّمات، وكُلِّ ما يُخشَى الفتنَة مِن أجله».
وحال وأقوال سلفنا الصالح رضوان الله عليهم في غض البصر تظهر ما كانوا عليهم من عفته وشدة مراقبتهم لله عز وجل.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «مِنْ تضييع الأمانة النظر في الحجرات والدور». وعن قيس بن الحارث قال: قال سلمان رضي الله عنه: «أن أموت، ثم أُنشر، ثم أموت، ثم أنشر، ثم أموت، ثم أنشر، أحب إليَّ من أن أرى عورة مسلم أو أن يراها مني».
وعن وكيع قال: «خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا».
وقال أبو حكيم: «خرج حسان بن أبي سنان يوم العيد، فلما رجع، قالت له امرأته: كم من امرأة حسنة قد نظرت اليوم؟ فلما أكثرت، قال: ويحك ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك». وقال الإمام أحمد: «كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلايا». وقال الحسن بن مجاهد: «غض البصر عن محارم الله يورث حب الله».
وقال سفيان: «كانَ الرَّبيعُ بن خَثيمٍ يَغُضُّ بَصرَهُ فَمرَّ به نِسوةٌ فَأطرَق حتى ظَنَّ النِّسوةُ أنَّه أعمى، فتعوَّذنَ بالله مِنَ العمى». عن حمَّاد بن زيد قال سمعت أبي قال: «لَرُبَّ نَظرَةٍ لأن تَلقَى الأسَدَ فيأكُلَكَ خَيرٌ لك منها». وقال شُجَاعٌ الْكَرْمَانِيُّ: «مَنْ عَمَّر ظاهره باتِّباع السُّنَّة، وباطنه بدوام المراقبة، وَغَضَّ بَصَرَه عن الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نفسه عن الشّهوات وأكل منْ الحلال، لم تُخْطِئْ فِرَاسَتُه». قال ابن القيم: «إذا عَرَضَت نَظرَةٌ لا تَحِلُّ، فاعلم أنها مِسعَرُ حَربٍ فاستتر منها بحِجَابِ: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ»(النور:30) فَقَد سَلِمتَ مِن الأثَر، وكفى اللهُ المؤمنين القتال».
وقال ابن الجوزيِّ: «أكثَرُ فَسَاد القلب مِن تَخلِيطِ العين: ما دام بَاب عَينِ البَصَر مُوثَقَاً فَالقَلبُ سَليمٌ مِن كُلِّ آفَّة، فإذا فُتِحَ طَار الطَّائرُ، وَرُبَّمَا لمْ يَعُد بَعد». وقال الحَارثُ المُحَاسبي: «قَدْ جعل الله على كُلّ جارِحة أمرَاً ونهياً فَريضَةً منه، وجعل بينهما سعة وإباحة تركُهَا فَضيلةٌ للعبد.. وفرْضُ البصر: الغَضُّ عَنِ المحارِم، وترك التَّطَلعِ فيما حُجِبَ وسُتِر».