+ A
A -
عيسى الشعيبي كاتب أردني

بعد انقضاء ستة أشهر من زمن حرب الإبادة على غزّة، وانجلاء كثير من جوانب الموقف الراهن، سيما الفشل السياسي والعسكري لهذه العملية الانتقامية المجنونة، لم يعد السؤال مبكّراً ما إذا ربحت دولة الاحتلال حربها المجنونة هذه أم لا، وإنما ما مدى الخسائر التي تكبّدتها ولم يعد من الممكن جبرها.

سندع جانباً الخسائر المنظورة الثقيلة التي مُنيت بها قوات الاحتلال، إلى أن تضع هذه الحرب أوزارها، ويُماط اللثام عن كلفتها البشرية والتسليحية المُتَسَتَّر عليها، كما سنصرف النظر أيضاً عما يجري ضخّه من تسريبات استخباراتية مضلّلة، وقصص ملفّقة حول «الإنجازات الباهرة» والمكاسب التكتيكية المزعومة لجيشٍ مولعٍ بالحرب على المستشفيات والصحفيين، وذلك كلّه من أجل تكثيف الضوء على ما يتراءى لنا من خسائرَ غيرِ منظورةٍ، تحقّقت غداة حرب 7 أكتوبر المجيد. ومع أن هناك كثرة من مفقودات تقع في باب الخسائر غير المنظورة، يضيق المقام بحصرها، إلا أن الحديث هنا سيقتصر على الأهم منها، لعل أولها: خسارة دور الضحية الأبدية، التي احتكرتها دولة الاحتلال لنفسها، واستثمرت فيها بكفاءة، إلى أن سقط القناع خلال حرب الإبادة، وانجلى وجه دولة مجرمة تقترف ما لم يُقترف مثله في أي زمان أو مكان. وثانيها: خسارة سرديّة المظلومية، التي بناها الاحتلال بأكاذيبه عما وقع يوم 7 أكتوبر، وقد انهارت بسرعة.

الخسارة الثالثة: ماثلة في هذه الهستيريا الضاربة في العقل الجمعي، الصادرة عن مجتمع فقد صوابه وثقته بنفسه، وبجيشه وبدولته وبحلفائه، واستشاط في كراهية الغير من دون استثناء، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمّة الصحة العالمية و«الصليب الأحمر» و«أونروا» ومحكمة العدل الدولية و«أطباء بلا حدود»، وشبكات التليفزيون وحقوق الإنسان، إذ صنّف هؤلاء، وغيرهم، متعاونين مع الإرهاب ومعادين للسامية، وهذه الفرية تحديداً سقطت مع الساقطات، بل ويمكن إدراجها رابعة في قائمة الخسارات غير المنظورة.

الخامسة: خسارة الصورة التي كانت عليها قبل «طوفان الأقصى»، دولة فتية قوية مزدهرة مُهابة، وواحة ديمقراطية في صحراء الشرق العربي، لتبدو اليوم، بعد ستة أشهر من الفشل، دولةً منهكةً مذعورةً منبوذةً مصدومةً، تُقوّض نفسَها بنفسِها، وتخسر مكانتها. أما السادسة: فتتجسّد في التفكك الذاتي؛ في تعمّق الانقسامات بين كل المكوّنات الاجتماعية، بين العلمانيين والمتدينين، وبين الحريديم والليبراليين، وبين اليمين والوسط وما تبقى من يسار، وبين مركّبات الحكومة والكنيست ومجلس الحرب، وداخل مختلف الأطياف السياسية.

الخسارة السابعة: وليست الأخيرة ماثلة في جملة من الخسارات غير المنظورة، تبدأ من الخسارة الأخلاقية، وهذه لا تحتاج تأكيداً، إلى جانب خسارة الرأي العام في الغرب، وهو أحد أهم مصادر قوتها السياسية.

copy short url   نسخ
03/04/2024
5