+ A
A -
دخلَ عبداللهِ بن محيريز دكاناً يُريدُ أن يشتري ثوباً، فقال رجل قد عرفه لصاحب المحل: هذا ابن محيريز فقيهنا وعابدنا فأحسن بيعه! فغضب ابن محيريز، وطرحَ الثوب من يده وقال: إنما نشتري بأموالنا ولا نشتري بديننا! ومرَّ إبراهيم بن أدهم بغلام يبيع التين، فقال له: يا غلام بِعْني من هذا التين. وكأنَّ الغلام كان يتوقع مبلغاً أكبر، أو مشترياً آخر، فأبى أن يبيعه منه. فجاء رجل إلى البائع وقال له: بِعْ له فإنه إبراهيم بن أدهم فقيه ديار الشام كلها! فلحقَ الغلام بإبراهيم، وقال له: يا عم خُذْ التين بالسعر الذي تريد! فقال له إبراهيم: يا بُني، إننا لا نشتري التين بالدِّين! ومن جميل ما قال الإمام الشافعي: أن أترزق بالرقص خير لي من أن أترزق بالدين! لطالما كانت الفتن غربال الناس عموماً، والعلماء خصوصاً، فالناس سواء في الرفاه فإذا جاءت المِحن تباينوا! كم من عالم كان يبكي لشرح آية ويبكينا معه ثم ما لبث أن دار الزمان فإذا به يعملُ طبالاً عند حاكم أو أمير أو رئيس أو ملك! كان فقهاؤنا كما رأيتم في قصتي عبدالله بن محيريز وإبراهيم بن أدهم يجدون حرجاً أن يحسم البائع لهم شيئاً من الثمن مخافة أن يكون هذا الثمن يقدح في دينهم ومروءتهم، لقد اعتبروا هذا النشاط التجاري اليومي البسيط قدحاً في الدين والمروءة إن تم لا لشيء سوى أن فلاناً فقيه وفلاناً عابد! وللأسف اليوم يُباع الدين كله بعرض من الدنيا قليل! وإني لأسأل إذا لم تلذ الأمة بعلمائها في مثل هذه الظروف فمتى تلوذ بهم! وإذا لم يكن العلماء ربانيين في مثل هذه الظروف فمتى يكونون؟! إن حاجتنا إلى المظلة وقت هطول المطر وللأسف أغلب العلماء الذين كنا نتوسم فيهم خيراً تركونا تحت المطر ولاذوا تحت سقف الحاكم! ورحم الله أحمد بن حنبل يوم فتنة خلق القرآن! ورحم الله الحسن البصري يوم دعاه عمر بن هبيرة وقال له: إن أمير المؤمنين استخلفه الله على عباده، وهو استخلفني على العراق، وهو يرسل إلىَّ أحياناً كُتباً يأمرني بإنفاذ ما لا أطمئن إلى عدالته، فهل تجد لي مخرجاً في الفقه من هذا؟! فقال له الحسن: يا ابن هبيرة، خَفْ الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله، فإن الله يمنعك من يزيد ولكن يزيد لا يمنعك من الله!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
25/12/2018
7426