+ A
A -
في زمنكَ لا صوت يعلو على صوت مَدَافِع القسوة. صَدِّقْ أن السببَ لا يهمّ بِقَدْرِ ما تهمّ النتيجة. اختلفت الأسباب، والنتيجة واحدة: سُيُول من القَسْوَة تأتي على الأخضر واليابس، والضحية دائما ذلك المسكين الْمُهَدَّد بالموت. في زمنكَ، تَجِدِ الكُلَّ يَبْنِي باسْتِمَاتَةٍ ويَتَدَافَعُ من أجل الحُصُول على مُقَابِل الحجارة التي يبني بها ما يبنيه تخليدا لسيرة وُجوده. الكُلّ يسعى وراء الحجارة إلى أن صارت القلوبُ كالحجارة، وما الفرق بين هذه وتلك سوى أن الحجارة الحقيقية تخشع ويتفجَّرُ منها الماء، بينما الحجارة القابعة بين الضلوع لا ينبض فيها إحساس بالآخرين. في زمنكَ يتهافَتُ الكُلّ على شراء الحجارة والطّوب ليبني ويُعلي البِنَاءَ، ويتناسى الخَلْق أن الحياة مَمَرّ، حتى أن أحدَهم سُئِلَ عنها، فقال إنها كَدارٍ لها بابان تَدْخَل أنتَ من أحدهما وتخرج من الآخر.
الحياة الحقيقية جنَّتُك أو جحيمُك أنتَ العاجز إلى الآن عن حُسْنِ الاختيار. يُصَوِّرُ لك عقلُك أنك ستفنى في دارك الدنيا، فإذا بك تَضُمُّ الحجرَ إلى الحجر والطُّوبَ إلى الطوب، تُشَيِّدُ صَرْحًا يَمْتَصُّ أيّامَك، وتنسى أنتَ يا أنتَ أن صَرْحَكَ هذا مآلُه الزوال بزوالك حين يأتي يوم يتبرَّأ فيه الواحد من أهله وبنيه، ولا منجى فيه إلا إذا أحسنْتَ وراكمْتَ الصالحَ من الأعمال.
في زمنكَ الذي يُزَيِّنُ لك عملَك السيئ، تَلْهو أنتَ، وتَتَجَبَّرُ كَنُمْرُود، ضيَّعْتَ حياتَك في بناء ما لا ينفعك، وغَفَلْتَ وتغافَلْتَ عن كل ما ينفعك، بينما آخرون أحسنوا البِنَاءَ وأخلصوا عندما بَنوا بِناءً يَشْفع لهم يومَ تُحاسَبُ أنتَ على الصغيرة والكبيرة، بَنوا بناءً يكفي لِيُسَهِّلَ مُضِيَّهم على الصِّرَاط/ الخيط الأدقّ من الشعرة والأمضى من السيف، تعبره ولا بصيرة سوى عملك تضيء لك الطريقَ/ الجسرَ الممتدّ على نهر النيران.
تَحَيَّنْ موعدَ رمضان هذا لتُعِيدَ ترتيبَ أوراقك في علاقتك بمولاك، تَبَيَّنِ الصالحَ من الطالح والحقَّ من الباطل، الصَّدقةُ مفتاحُك إلى دار النعيم، فبَادِرْ بالتصدّق ولْيَكُن على المقرَّبين أولى، لا تجعل الدنيا الفانية همَّك، تذكَّرْ ضَمَّةَ القبر، قَبْرُكَ بَيْتُكَ حتى حين، لا تفكِّرْ في أنك ستحمل معك إلى القبر سيارتَك الفخمةَ ومنزلَك الذكيَّ وحسابَك البنكي.. أبناؤك عَمَل، فاحرِصْ على أن يكون عملُك صالحا، وَلَدًا بارًّا يدعو لك، عَلِّمْ أولادَك العِلْمَ الأول/ دِينَك عِوَضَ أن تُنْفِقَ عُمر وقتك في بناء علاقات وهمية مع كائنات افتراضية كثيرا ما يتسلى فيها الذكورُ بانتحال صفة إناث، كما يتسلى فيها الإناث أحيانا بانتحال صفة ذكور.
رمضان مَنْجَاكَ، أَطْعِمْ مسكينا، اكْسُ عاريا، هَيِّئْ مأوى لمتشرِّد، قليلُك يُغْنيه ويُطْفِئُ جوعَ معدته، لا تَنْسَ أنك قد تُلقي بالنعمة في القمامة بعد أن تزهد فيها نفْسُك، ما عليك سوى أن تُحَوِّلَ اتجاهها إلى مَنْ هو في أمَسّ الحاجة إليها، تَذَكَّرْ جارَك العجوزَ الذي يموت أمام ناظريك، لا تجعلْه يُفَضِّلُ الموتَ على أن يستجدي منك بِذُلٍّ ثَمَنَ علبة دواءٍ تَمدُّ في عُمره بإذن الله.. وأنتَ يا مَنْ تختال كالطاووس متكبّرا مستعرضا عضلاتك الدينية عند ذهابك إلى المسجد وإيابك وكأنك الوحيد في كوكبك الذي يُقيم الصلاة، بينما لا تُكلِّف نفْسَك أن تُحَيِّيَ جارَك أو تردّ عليه السلامَ يا مَنْ تجهل أن إفشاء السلام حقّ من حقوق المسلم على المسلم.. وأنتِ يا من تفضّلين أن تأكلي لحمَ جارتك المريضة نميمةً وحقدا عليها أو تصفيةً لحساب قديم دَعِي الحسابَ لمولاكِ وصَفِّي قلبَك وأيقظي ضميرَك من سُباتِه وذَكِّري نفْسَك بأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. الدينُ المعامَلةُ ومَنْ تواضع لله رَفَعَه.
لا تجتهدْ في تحريم وإحلال ما شئتَ، راعِ واجبَك وما تُمْليه العقيدة، وابْنِ بِنَاءً للآخرة يَكْفِيك شَرَّ مقالب الدنيا. هذه هي الحجارة وقِطَع الطُّوب التي تبني بها بيتَك في الآخرة. هذه بوّابتُك إلى النعيم الخالد، فانْجُ بصالحاتك وفُزْ بجنَّة رِضاه قبل أن يحجب جبلُ سيئاتك صوتَك المستغيث: «رُحْماك يا الله!».

بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
09/06/2016
1711