+ A
A -

وصف الله تعالى الموت بالمصيبة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله سبحانه {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}، هذه الدنيا تصيبنا بالخوف أحيانا كثيرة، ففي لحظات وعلى حين غفلة منا تأخذ أشخاصا أعزاء على القلوب، تنقطع الصلة بهم للأبد، ففراق الموت هو الفراق الأبدي، يخلع القلوب من شدة الحزن، ولكن ليس في وسعنا شيء يمكن أن نفعله سوى أن نعوِّد أنفسنا وندربها على تجاوز ألم ذلك الفراق، وأن نتقبل الواقع ونتعايش معه كي نكمل حياتنا.

ومصابنا في وفاة الأكاديمي والكاتب الدكتور ربيعة بن صباح الكواري أستاذ الإعلام بجامعة قطر كبير، نزل على القلوب كما تنزل الصواعق، لكونه كان مفاجأة، وهذا هو شأن موت الفجأة، أكثر إيلاما، فموت الدكتور ربيعة المفاجئ فجعنا وفراقه وجعنا، خصوصا أنه كان حسن السيرة نقي السريرة، لا تفارق البشاشة محياه، ولا تكل من الابتسامة شفتاه، محب لكل الناس، لم يسمع أحد ما يُغضِب منه ولا عنه، تميز بالطيبة والتواضع، ولا نزكي على الله أحدا، فالمرحوم كريم النسب، وكان دمث الخلق شديد التواضع، وجميل عزائنا فيه أن الله اختاره في شهر رمضان المبارك الذي تتنزل فيه الرحمات بغزارة.

رحل الدكتور ربيعة لكنه سيظل متربعا في قلوب زملائه ومحبيه، فالسيرة أطول من العمر، والراحل ترك لنا إرثا إعلاميا وثقافيا يعتز به تلاميذه، وتتوارثه الأجيال القادمة، وبصمته ستبقى واضحة في كل ميدان من ميادين العمل الإعلامي، سواء في الحقل الأكاديمي بجامعة قطر، أو في مقالاته بالصحافة القطرية والخليجية، أو عبر مداخلاته وحواراته في البرامج الإذاعية والتليفزيونية، وستظل نبراسا يضيء على صفحات كتبه وبحوثه، قدَّم في كل هذه المجالات حبه المطلق للوطن الغالي قطر، والإخلاص في الانتماء والصدق في الولاء لقيادته الحكيمة، فأصبح بذلك قدوة ونموذجاً يحتذى للمواطن الصالح الذي يخدم وطنه ومجتمعه، وحبه لقضية العرب الأولى، أعني فلسطين، فكتب منددا بالعدوان على غزة شادًّا من أزر المقاومة، منبها من تمدد الخطر الصهيوني، كتاباته وحواراته عكست بوضوح الهم الذي حمله حول مستقبل ومصير القضايا العربية الكبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية، كما عكست إلمامه بالقضايا الاجتماعية الأولى التي تهم الجميع.

رحيل الدكتور ربيعة يمثل خسارة كبيرة للإعلام القطري والخليجي والحقل الأكاديمي، فقد كان- رحمه الله- شخصية تجمع بين عمق المعرفة والثقافة والمهنية العالية، يشجع الآخرين ويحفِّزهم، وإذا تحدثت عن نفسي فلابد أن أذكر أنه كان كثير الاهتمام بمقالاتي، يقرؤها بتفحص ثم يتصل فيقول لي: «أنتِ إضافة» وهي كلمة لها مفعول السحر في قلب وعقل كل من يبحث عن التميز، ويأبى أن يكون نسخة مكررة، أو وجوده عديم الجدوى والفائدة، ولكون الراحل أستاذا وخبير إعلام يثني على مقالاتي وما أبديه من آراء ووجهات نظر على التليفزيون في مداخلاتي ويعيد نشر فيديوهاتي فقد منحني الثقة الكبيرة في النفس، وأشعرني بأهمية ما أكتب، وطمأنني بأنني أسير على الدرب الصح، وأعده بأن تظل نصائحه ووصاياه لي في عالم الكتابة نصب عيني.

كم من أعزاء فقدناهم، رحلوا عنا إلى دار القرار، ولا تزال أرقام هواتفهم مسجلة في قائمة جهات الاتصال على هواتفنا، ولم تطاوعنا أنفسنا أو نجرؤ على حذفها مع علمنا أننا فقدناهم للأبد، لا نملك غير التسليم بأن الموت هو حكمة الله التي لا نستطيع معها سوى الصبر، وقضاؤه وقدره الذي علينا أن نؤمن بهما، ولو كان بإمكاننا استعادة أحدهم ما بخلنا ولا تأخرنا، ولكن بإمكاننا الدعاء لهم، فللصائم دعوة مستجابة ونطمئن لهذا بأن الله تعالى جعل آية استجابة الدعاء وسط آيات الصيام في سورة البقرة فقال تعالى: «أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ»، فمن حان أجله، وانقضى عمره، وجاءت ساعته، لن يتأخر برهة، ولو اجتمع عليه أطباء الدنيا، فرحم الله أرواحا لا تعوض، وأختم بتقديم خالص العزاء لكل فرد في أسرة الراحل، أسأل الله تعالى أن يلهمهم الصبر والسلوان وأن يربط على قلوبهم، وسلام عليه في عليين.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية وحوكمة المؤسسات

copy short url   نسخ
16/03/2024
325