{{ حال سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم- مع الصيام من أحسنِ الأحوال، فما كانت نفوسهُم تنقبضُ لإدراكِ شهرِ الصيام خوفا من مشقة الصيام، لأنَّ السنَة كلهَّا عندهم كانت صياما.
نعم لقد أدركوا فضلَ الصيامِ، وما له من الأجرِ الكبيرِ من الله عز وجل فهو القائلُ كما في الحديثِ القدسي: (كلُ عملِ بنِ آدمَ له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجزي به) رواه البخاري..
فلماذا لا يفرحون بالصيامِ والله تعالى الكريم الجواد يقول: إنه لي وأنا أجزي به..
عن الواقدي: «كان الإمام ابن أبي ذئب يصلي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، ولو قيل له إن القيامة تقوم غدا: ما كان فيه مزيد من الاجتهاد، أخبرني أخوه عن حاله أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما، ثم سرد الصوم بعد ذلك».
وعن محمد بن عبد الأعلى قال: «قال لي معتمر بن سليمان: لولا أنك من أهلي ما حدثتك بهذا، لقد مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما، ويصلي صلاة الفجر بوضوء عشاء الآخرة».
وقال جماعة من شيوخ قزوين: «لم ير أبو الحسن رحمه الله مثل نفسه في الفضل والزهد، أدام الصيام ثلاثين سنة، وكان يفطر على الخبز والملح، وفضائله أكثر من أن تعد».
وعن ابن أبي عدي قال: «صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله، وكان خرازا يحمل معه غداءه من عندهم، فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشيا فيفطر معهم». يقول الحافظ ابن الجوزي مُعلقا: «يظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله أنه قد أكل في السوق».
وذكر علماء التراجم في سيرة نفسية بنت الحسن أنها كانت تكثر من الصيام، حتى قيل لها: «ترفّقي بنفسك ـ لكثرة ما رأوا منها -، فقالت: كيف أرفق بنفسي؟ وأمامي عقبة لا يقطعها إلا الفائزون»، وقد توفيت وهي صائمة.
وعن عبيد الله بنِ محمدٍ التيمي قال: «حدثني بعضُ أشياخِنا أن رجلاً من عامةِ هذه الأمةِ حضرتُه الوفاةُ فجزعَ جزعاً شديدا وبكى بكاءً كثيراً.. فقيل له في ذلك فقال: ما أبكي إلا على أن يصومَ الصائمون للهِ ولستُ فيهم.. ويصلي المصلون ولستُ فيهم.. ويذكره الذاكرون ولستُ فيهم.. فذاك الذي أبكاني»..