+ A
A -

قد تمضي الحياة رتيبة مملة في بعض الأحيان. قد نجد أنفسنا بعد انقضاء سنوات طويلة من عمرنا على ما نحن عليه دون أي تقدم. قد نُعيد تكرار نفس الأيام بأحداثها ومواقفها مراراً في تكرار مضجر يجعلنا ذات يوم نصحو من غفلتنا ونرغب في التغيير. فكيف نحقق هذه المعادلة الصعبة وقد اعتدنا سلوكيات وأدمنا عادات هي السبب فيما نحن عليه من إخفاق؟

عندما تأتي اللحظة التي يستفيق فيها المرء مما هو فيه، ويفكر بأن عليه فعل شيء لتغيير واقعه البعيد كل البعد عن الحياة التي يحلم بها، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو كيف بوسعه إحداث نقلات نوعية بجهده الذاتي الخالص، تنقل حياته من حال إلى حال، وتخرجه من القاع الذي يقبع فيه.

كثير من الناس يعتقدون أنهم ليسوا بحاجة إلى الآخرين لتغيير أنفسهم، وأنهم قادرون على فعل كل شيء لوحدهم. يعزز هذا الشعور إحساسنا بخيبة الأمل من المحيطين بنا من معارف وأصدقاء وزملاء عمل، اختبرنا كثيراً منهم على مدار سنين عديدة، فلن نجد في أحدهم الإنسان المخلص الداعم الذي يمكن أن نتكئ عليه قليلاً وقت الحاجة، وهذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد أننا قادرون لوحدنا على صناعة تغيير جذري في حياتنا دون طلب المساعدة من أحد!

جميل أن تتحمل مسؤولية حياتك وتحمل على عاتقك مهمة تغيير واقعك بنفسك، لكن من غير الصحي أن تظن بأنك لست بحاجة إلى دعم الغير ومساعدتهم على طول الطريق المؤدي إلى حيث تريد، فتزل قدمك مرات ومرات وتعاني صعوبات كبيرة ما كنت لتقع في مصيدتها لولا أنك ابتعدت عن الناس ورفضت أي يد تمتد لمعونتك.

الحياة برمتها منذ فجر التاريخ وحتى آخر الزمان، قائمة على المشاركة والتعاون بين البشر. وهذا يعني أنه لا يمكن للإنسان أن يحيا بمفرده؛ لأنه بحاجة إلى أقرانه ليستمر بقاؤه ويكتمل عيشه.

تخيل لو صحوت يوماً وجدت فيه مصانع الخبز قد توقفت عن العمل، وسائقي الباصات وسيارات الأجرة أعلنوا تقاعدهم، وعاملو النظافة قرروا أخذ إجازة إلى أجل غير مسمى، والمدارس توقفت ومحلات البقالة أغلقت نهائيّاً، والناس غادروا بلدك، فأصبحت وحيداً في الأرجاء.. هل تعتقد أن بإمكانك العيش في ظل مثل تلك الظروف القاسية وتأمين حاجياتك اليومية لوحدك والإحساس بطعم الحياة وسط وحدة مطلقة؟! بالتأكيد لا.

نحن بحاجة إلى الآخرين لنتقدم، وحتى العظماء ورواد النجاح وأثرى الأثرياء، لولا كل الأشخاص الذين ساعدوهم في طريقهم إلى القمة لما وصلوا إلى ما هم عليه اليوم. فمن دون الجهود الجبارة التي بذلها العاملون في الشركة الفلانية، لما جنى صاحبها الملايين، ولولا المدرب الأمين المخلص الذي سهر الليالي لتوجيه ذاك اللاعب الرياضي الشهير لما حقق الأخير أي شهرة تُذكر، وهلمّ جرّاً.

عندما تطمح إلى التغيير، فكر في الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك. ربما يكون التغيير على المستوى الشخصي، بمعنى أنك تريد أن تحسن حياتك، أو ربما تسعى لإحداث تغيير في هذا العالم نحو الأفضل، كذلك حينها أنت بحاجة لمن يقفون في صفك ويدعمون مسيرتك.

بكافة الأحوال، لا تحاول صناعة التغيير بنفسك كليّاً. من المفيد أن تلجأ إلى من تثق بهم وتؤمن بأنهم سيحفزونك على المضي قدماً ويحرصون على نجاحك ويعززونه. لا تحاول السير على الطريق وحيداً لأن الفشل سيكون النهاية. لهذا كله يقول المثل الشعبي المتداول: «يدٌ واحدة ما تصفق».

مهما كانت الظروف صعبة، ومهما كان الوسط الخارجي مليئاً بأناس لا يستحقون صداقتك أو محبتك، فلا بد أن في الوجود من يمكنك أن تعتمد عليهم في صناعة التغيير الذي تنشده. فابدأ رحلتك الآن بمساعدة ممن تثق بهم، واصنع المستقبل الذي ترنو إليه.

copy short url   نسخ
11/03/2024
70