+ A
A -

الحياة مسرحية نحن البشر أبطالها. لكن لكل واحد فينا دورا يلعبه بحسب اختياره، ففئة من الناس يلعبون أدوار البطولة بتحدي مجتمعاتهم وظروفهم، ومجابهة خطوب الحياة وتخطي العقبات على طول الطريق وصولاً إلى أعلى المراتب، وآخرون يؤثرون لعب دور الضحية، ملقين باللوم على العالم بأسره لما هم فيه من معاناة وإخفاق وإحساس بالظلم والقهر والحرمان، دون أن يدركوا أن بمقدورهم تغيير واقعهم مهما كان، إن هم تحملوا مسؤولية صناعته بأنفسهم بدلاً من انتظار حظ سعيد، لن يأتي أو صدفة عشوائية تنزل عليهم من السماء.

لا شك أن الناس المحيطين بنا، والظروف المعيشية والخارجية تلعب دوراً كبيراً في حياتنا، لكنها لم تمنع يوماً من الأيام أي إنسان على هذه البسيطة من بلوغ ما يريده والوصول إلى حيث يطمح. دليل ذلك هو التاريخ بما ينطوي عليه من قصص لا تعد ولا تحصى لأشخاص تعرضوا لأسوأ الظروف المعيشية، وعاشوا في عصور قاسية تفتقر لعشرات القوانين المنظمة لحياتنا في هذا العصر؛ إلا أنهم تمكنوا بفضل إيمانهم بأنفسهم وقدراتهم، واختيارهم أن يكون أبطال قصص حياتهم من أن يتربعوا على عرش النجاح ويصلوا إلى حيث نحلم جميعاً بالوصول.

في المقابل، أغلب الناس في العالم منذ فجر البشرية وحتى الساعة يختارون لعب دور الضحية بمحض إرادتهم، وأحياناً يقعون ضحايا الحب والصداقة بالفعل، لكن المشكلة تكمن في استمرار المعاناة بدلاً من محاولة الخروج من دائرة الضعف هذه. يقول مثل شهير: «الألم أمر حتمي، أما المعاناة فأمر اختياري».

كلنا معرضون للغش والخداع والاستغلال، كلنا يمكن أن يساء الظن بنا وتحاك حولنا الشكوك من طرف من نحبهم برغم عميق حبنا وإخلاصنا، كلنا يمكن أن نحب أشخاصاً نكتشف مع الوقت غيرتهم القاتلة العمياء، وعدم ثقتهم بنا رغم كل ما نقدمه لهم من دلائل على صدق وعودنا وعهودنا؛ فتكون تلك الظنون الخاطئة نهاية علاقة كنا نعيش في ربوعها بسعادة غامرة لا توصف، لكنها في الواقع مجرد وهم كنا بداخله دون أن ندري، وإلا لما انتهى كما تنتهي أحلام اليقظة.

إن المحبة الحقيقية لا تقوم من غير ثقة متبادلة بين الطرفين. أما حين تنتفي الثقة فإن العلاقة تسير في نفق مظلم إلى أن تتلاشى شيئاً فشيئاً ولا يبقى منها سوى ذكريات مؤلمة مهما كانت صلتنا بالشخص الآخر؛ سواء كان قريباً، أو شريك حياة، أو تجمعنا به صلة دم.

في الواقع، لا يمكن لعلاقة أن تستمر من دون احترام وإخلاص وإيمان بأن الطرف الذي تحبه لن يخون ثقتك وسيحافظ على وعده ومحبته. أما الشك المستمر المرضي الذي يجعل الشخص يلاحق أصدقاءه أو شريك حياته فهو حالة نفسية إن دلت على شيء فإنما تدل على ضعف ثقة صاحبها بنفسه، الأمر الذي يجعله يعيش بشكل يومي في حالة من الخوف والهلع من أن تأتي ساعة يتركه فيها من يكن له مشاعر المحبة، أو يخونه أو يغدر به، وذلك إن لم يراقبه في كل صغيرة وكبيرة.

يظن البعض أن الملاحقة الدائمة، والشك المستمر ينجيهم من الخداع والخيانة، لكن دون أن يدركوا فإنهم يوقعون أنفسهم في بئر أشد ظلمة من ذاك الذي سيسقطون فيه إن تم الغدر بهم. فمن يستيقظ كل يوم على صوت الهواجس والمخاوف، ويطارد من يحبهم كمفتش يبحث عن دليل إثبات على جريمة لم ترتكب بعد، لن يهنأ له بال، ولن يذوق طعم السعادة لا هو ولا من تجمعه بهم مشاعر المحبة..إن سوء الفهم، وسوء التصرف بناء عليه هدم خلال التاريخ البشري مئات البيوت، وأنهى علاقات صداقة في أوجها. وبسببه ستكون إما الجاني أو الضحية.

نجانا الله وإياكم من الشك المرضي والغيرة العمياء، وأنار قلوبنا بدفء المحبة القائمة على الثقة المتبادلة.

copy short url   نسخ
06/03/2024
40