+ A
A -
بات التحالف الروسي الصيني كالزواج الكاثوليكي، لا طلاق فيه أبداً، وعلى أمدية طويلةٍ، إلا تحت أسبابٍ قاهرة، لها علاقة بالموت السياسي أو الهزيمة الكاملة لأحد الشريكين، وهو أمر لن يحدث على الأرجح، وحتى لو لم تكن المصالح الصينية والروسية متضافرة تماماً على الدوام، وطوال الوقت، فالسياسة الأميركية على المستوى العالمي تدفع باتجاه توحيد مواقف موسكو وبكين، وباتجاه توطيد الشراكة بينهما.
التحالف الروسي الصيني في مواجهة نزعات الهيمنة الأميركية المُتصاعدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، المقاول الاقتصادي أصلاً، وصاحب المزاج المُتقلب، أمرٌ لا مفرَ منه أمام الدولتين، اللتينِ تتمتعانِ بالعضويةِ الدائمةِ في مجلس الأمن الدولي، وصاحبتي الحضور في ميادين الصراع وبؤر التوتر في مناطق مختلفة من العالم.. والأهم من كل هذا، أنهما شريكتان في مواجهة الولايات المتحدة، في الصراع الخفي الدائر تحت الجمر المُتَّقد، والمتعلق بأكثر من عنوان، وأهمها العنوان الاقتصادي، ومحاولة واشنطن معاقبة أوروبا ودول الاتحاد والضغط عليها لكبح جماح تطوّر علاقاتها مع موسكو، بما في ذلك مسألة تزويد الغرب الأوروبي بالطاقة والغاز الروسي عبر عملاق الغاز «غازبروم»، حيث بدأت أعمال بناء الأنبوب الثاني من خط غاز «السيل».. وبالأمس سمعنا المستشارة الألمانية ميركل تَصرَخَ علناً وأمام وسائل الإعلام، من التدخل الأميركي في مسار العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي وموسكو، وتتذمر من سلوك واشنطن لتعطيل التقارب المُتسارع بينهما، خاصة في مجالات الطاقة والغاز، وهو مؤشر مهم يَدُلُ على أن الصوت الناقد لسياسات واشنطن بات يَخرُجُ من برلين وباريس وغيرهما من عواصم دول الاتحاد التي تربطها علاقات نفطية واقتصادية وتجارية مهمة مع كلٍ من موسكو وبكين.
موسكو وبكين، تسعيان لكسر الهيمنة الأميركية، ووضع حد لسياسة القطب الواحد، لذلك عندما يجتمع زعماء روسيا والصين سويةً، فإن إحدى الجُمَل الأساسية التي يستعملونها ويتكرر تواترها في نقاش سياساتهم هي جملة «تعدد الأقطاب»، كمسعى استراتيجي لكلٍ منهما لتحقيق التوازن العالمي الذي انهار منذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق أوائل العام 1990، لكن الحرب الباردة بدأت بالعودة التدريجية منذ عقدٍ من الزمن، ويتوقع لها أن تتصاعد لكن بوسائل وطرق شتى ومختلفة عما ساد سابقاً، يقف على رأسها الصراع على الموضوع الاقتصادي والتجارة الدولية.
الصين وروسيا، تربطهما علاقات متنوعة، ومتعددة الأشكال، من العلاقات الاقتصادية، وخاص في مجال النفط والغاز، إلى العلاقات العسكرية، حيث مثلت الولايات المتحدة دولة العدو في المناورات العسكرية المشتركة التي جرت أكثر من مرة بين قطاعات عسكرية روسية وصينية، وفي حينها نشرت إدارة الرئيس دونالد ترامب مضمون ما أسمته «استراتيجية الأمن القومي» الخاصة بها، في وثيقة تحتوي على 68 صفحة، جاء في سطور صفحةٍ منها العبارة التالية: «الصين وروسيا تتحديان قوة وتأثير مصالح أميركا».
إن الفترات القادمة حبلى بالتطورات على صعيد العلاقات المتبادلة بين القوى الكبرى، وتحديداً موسكو، واشنطن، وبكين، حيث يتوقع أن ترتسم مسارات جديدة للعلاقات الدولية ولو بعد حين.
بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
04/09/2018
1668