+ A
A -

للنجاح مفاهيم وتعريفات متعددة متنوعة، لكن ما يتفق عليه أغلب الناس هو أن النجاح الحقيقي يجب أن يشمل مختلف جوانب الحياة، فلا يقتصر على جانب دون آخر. فما فائدة تحقيق الحرية المالية إن لم تحظَ بسلامٍ روحي، وما قيمة النجاح المهني إذا كانت حياتك الأسرية متوترة بائسة، وما الهدف من التفوق الدراسي ونيل أرقى الشهادات إن لم تشعر بالسعادة وتقدير الذات وتجد فرصة عمل تليق بك؟!

أما ما يحدث خلال سعينا للتفوق والتميز، فهو أن الكثيرين منا يتهافتون لإرضاء الآخرين وكسب ودهم، ظنّاً منهم أن النجاح مقرون بتقبل الناس لهم ورضاهم عنهم، فيحاولون بشتى الطرق والوسائل نيل استحسان غيرهم، حتى لو كان ذلك على حساب راحتهم الشخصية.

في البداية، قد يبدو الأمر ممكناً، لكن كلما حاولنا إرضاء المزيد من الأشخاص، أدركنا مع الوقت أنه من الصعب للغاية أن نقول «نعم» لكل شيء، وأننا في كثير من الأحيان مهما فعلنا، فإن بعض الناس يقابلون إحساننا بالإساءة والرفض، وآخرون يفقدون احترامهم وتقديرهم لنا.

في الواقع، الناس خلقوا بالأصل متفاوتين من حيث الطبائع والميول الفردية، بل إن الشخص ذاته تراه يتقلب من حال إلى حال بين الفينة والأخرى، فلا تدري ماذا يريد كل الوقت. وعليه، كيف لك أن ترضي جميع من حولك وكل واحد فيهم له رأي وذوق مختلف قد يتعارض مع ميولك الشخصية، وفي بعض الأحيان مع مبادئك وقيمك!

إن تكريس نفسك لتلبية رغبات الآخرين بدلاً من رغباتك، ومحاولة استرضائهم بدلاً من إرضاء ذاتك، لهو أقصر طريق نحو الفشل؛ لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك. فمهما فعلت وحاولت لن تتمكن من التصرف بطريقة تعجب الجميع.

إن هذا التنوع والاختلاف هو أساس الحياة البشرية وجوهرها. فلو كان الكل متطابقين في الطباع والأفكار والعادات والسلوكيات لأصبحت الحياة مسرحية مملة، ولما كان هناك من داع لوجود أكثر من إنسان على وجه الأرض، فالكل متشابهون كأنهم نسخة مكررة عن بعضهم البعض.

من هذا المنطلق، يبدو السعي بقصد إرضاء الجميع استنزافاً للطاقة الذهنية والروحية وحتى الجسدية. وفي نهاية المطاف، كل ما يجنبه المرء هو عدم احترام الآخرين له، وقلة تقديرهم لما يبذله في سبيلهم؛ فأي شيء زاد عن حده انقلب ضده. إذا كنت طيباً زيادة عن اللزوم فلن يقدر الناس طيبتك بل سيعتبرونها نوعاً من السذاجة والحمق، وإذا كنت مستعداً في أي وقت لتلبية أي طلب سيظن من حولك أنك شخص فارغ ليس لديك شيء تفعله، لذلك أنت على أهبة الاستعداد وقتما يحتاجونك.

لذلك كله، فإن أهم قاعدة للفشل هي محاولة إرضاء الناس، حيث تخسر ذاتك ووقتك وجهدك دون أي طائل. وعليه، ينبغي لك أن تدرك بأن المحبة لا تُطلب، والاحترام لا يُستجدى، بل تنال كليهما بمقدار ما تحترم وقتك وتقدر نفسك وتثق بذاتك. فلا تقبل أن يستغلك أحد أو يحرمك من شيء مهم بالنسبة لك في سبيل تلبية طلباته وتنفيذ ما يريده.

وعندما تبدأ في إدراك قيمة الوقت، وأولوية أهدافك وأحلامك، وحقيقة أن استمالة الآخرين بأي وسيلة كانت أمر خاطئ يبعدك عن تحقيق ما تحلم به، يبدأ مشوارك الحقيقي صوب النجاح، وتجد في النهاية أن كثيراً من الناس يحترمونك، ويقدرون قيمة وقتك الذي تمنحهم جزءاً منه بمحض إرادتك الحرة لا وقتما يريدون في التو واللحظة، وتلقى إلى جانب ذلك كله راحة البال، والرضا عن النفس، واحترام الذات؛ لأنك لست بحاجة إلى تقبل الغير لك، طالما أنك راضٍ عن نفسك وعما تفعله.

copy short url   نسخ
19/02/2024
135