أصعب من الموت ! حالة القلق، والترقب في عيون من يرتجفون هلعاً، ورعباً، وهم ينتظرون لحظة إزهاق أرواحهم؛ حتى قبل انتهاء الأجل ! وهذه هي إحدى الصور المأساوية؛ التي يعيشها أكثر من مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني، يتلمسون موضع أقدامهم، وكل جريمتهم؛ أنهم فلسطينيون، عرب! ويدافعون عن أرضهم المغتصبة، منذ «نكبة» عام (1948م). وفي الزاوية الأخرى من الصورة، ترى على القرب، ملامح دول عربية عديدة، ولاسيما الحدودية منها، تحبس أنفاسها؛ وبينما على البعد، فلا تظهر سوى القليل من العواصم العالمية، بما فيها واشنطن، والمنظمات الأممية، والعاملون في مجال الإغاثة، والمدافعون عن حقوق الإنسان؛ فبعضهم عُقِد لسانه، وأما الآخرون، فباتوا، وكما يقول المثل الشعبي المصري: «على قلوبهم مراوح»، ومازالوا ثابتين في أماكنهم؛ بينما الذي يتحرك هو الزمن، ويمضي الوقت سريعا، ونقترب من «الكارثة»، وبدون أي رادع لكبح جِمَاح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، قبل تنفيذهما لخطة اقتحام مدينة رفح، آخر ملاذ النازحين من ربوع قطاع غزة؛ مما يهدد بخلق «نكبة» فلسطينية جديدة، وزعزعة الأمن في دول الجوار؛ وما قد يترتب على ذلك من مخاطر إشعال شرارة حرب إقليمية، إن لم تتسع رقعتها إلى أبعد من ذلك؛ أمام عجز إقليمي، وتخاذل دولي، وصمت أممي !.
وعبثا تحاول العواصم العالمية المختلفة، بما فيها واشنطن، ومعها منظمات أممية كثيرة، تحذير جيش الاحتلال الإسرائيلي، من ارتكاب «الكارثة»؛ إلا أن العقلية العسكرية الإسرائيلية، ومعها ساسة اليمين المتطرف، لا تريد أن تلتفت لأي تحذيرات؛ أو حتى لنصائح الأصدقاء الأميركيين، ومتمسكة بحفر الأرض بحثا عن قيادات حركة «حماس»!. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى درجة، محاولة استفزاز الجانب المصري، عبر التلويح بمخطط للمساس، والعبث بمحور فيلادلفيا؛ وتعمد تجاهل رسائل القاهرة التحذيرية من مرحلة نفاذ الصبر!. وكأن حكومة نتانياهو، تأبى إلا أن تسير في طريقها نحو زيادة حدة التوتر، وتوسيع دائرة الصراع؛ والتي ربما انتهى بها المطاف إلى إشعال حرب إقليمية شاملة في المنطقة !.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 135 يوما، على معركة «طوفان الأقصى»؛ فما زال بنيامين نتانياهو على ضلاله القديم !، يعيش الوهم؛ ويقنع به نفسه، وهو يتمسك بأهدافه الثلاثة من الحرب على قطاع غزة، التي لم يحقق أيا منها؛ وحتى العثور على قيادات حركة «حماس»، والقضاء عليهم، أو تخليص الأسرى الإسرائيليين من بين أياديهم، فشل فيه أيضا !؛ وكلما مضى الوقت، تزداد شراسته، ويفرغ حقده على المواطنين الفلسطينيين، ما بين قتل، وتدمير، وإجبار على النزوح؛ وتكدسهم جنوبا في مدينة رفح؛ والآن يهدد باقتحامها!.
وفي مدينة رفح؛ التي تحولت إلى ما يشبه السجن المغلق، لأكثر من مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني، ويشكلون أكثر من نصف سكان القطاع البالغ، نحو مليونين وأربعمائة ألف نسمة؛ والذين يعيشون بين سندان الظروف المزرية، من نقص خدمات، انتشار للأمراض، ومطرقة القصف المستمر من قوات الاحتلال؛ حتى تحولت حياتهم إلى كابوس، لا ينتهي! وأصبحوا كالأسماك ينامون، وعيونهم مفتوحة، جراء حالة الرعب، التي تسيطر عليهم، بسبب تهديدات بنيامين نتانياهو، وانتظار إطلاق شرارة تنفيذ خطة الاقتحام الجديدة لرفح.
وهذه الأوضاع المضطربة؛ قد دفعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، للتحذير من «تداعيات إقليمية لا تحصى»، حال حدوث الهجوم الإسرائيلي البري المحتمل على جنوب غزة؛ فيما وصف الرئيس الأميركي جو بايدن عمليات إسرائيل، في قوله: «تجاوزت الحدود في ردها».
وإذا كانت الإحصائيات، والأرقام، وفقا لوزارة الصحة في قطاع غزة، تشير إلى استشهاد نحو 28 ألف فلسطيني، منذ اندلعت معركة «طوفان الأقصى»، في السابع من شهر أكتوبر العام الماضي؛ فإن أقل المتشائمين، يتوقع زيادة عدد الضحايا؛ وربما مضاعفته مرتين، أو ثلاثا، في مدينة رفح، المكتظة بالسكان، والنازحين؛ وذلك في حال، أعادت قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدام نفس نوعية القنابل، التي سبق وضربت بها الفلسطينيين من قبل، في خان يونس. وعلى الرغم من كل هذه الجرائم، وخطورتها؛ بل وإمكانية أن ترتقي إلى مصفوفة «الإبادة الجماعية»؛ إلا أن قوات الاحتلال المتطرفة، لا تبالي بأي التزامات، ولا مواثيق، أو عهود دولية، وترى نفسها فوق كل القوانين؛ حتى قرار محكمة العدل الدولية- أعلى سلطة قضائية في الأمم المتحدة- لم يغير من دموية سلوك إسرائيل!.
إن الوضع في قطاع غزة جد خطير!، وتلوح في الأفق نذر شؤم، مع اندفاع قوات الاحتلال الإسرائيلي، بلا أفق؛ اللهم إلا من أجندة سياسية خاصة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، ومأزقه ومستقبله السياسي البائس؛ مما يجعله يقامر على المستحيل !. ولأن العالم كله في مركب واحد، فليس من الحكمة استمرار سياسة غض الطرف. وقد حان الوقت لتدخل القوى العظمى، بما فيها أميركا، من أجل وقف هذه الحرب العبثية ضد الفلسطينيين، وتهدئة الأوضاع في المنطقة، ونزع فتيل أزمة رفح، قبل أن تحرق شرارتها الشرق الأوسط، ويضطرب السلم والأمن الدوليان[email protected]
