+ A
A -
في أصل المصطلح ومفهوم قضية الكفاح الفلسطيني، كانت غزة ولا تزال، ضمن سياق الجغرافية العربية لفلسطين المحتلة، ومنها الضفة الغربية، وأراضي الـ 48، والعاصمة الوحيدة للجميع ببعديها العربي للمسلمين والمسيحيين والإنساني هي القدس، لكن خلال المرحلة السابقة، نجحت اتفاقيات أوسلو، في تحجيم ومطاردة مفهوم المقاومة، أيّ مقاومة كانت، حتى التي تخضع لكل معيار دولي وإنساني، ثم زحفت لحصارها في غزة.
والسؤال الذي طُرح سابقاً، ويُطرح من جديد، ماذا كان على المقاومة الفلسطينية أن تفعل، في ظل هذا الحصار، قبل أحداث غزة والاشتباك مع الأمن الوقائي في يونيو 2007، الذي كُلف في حينها بحسم، ملف مقاومة غزة، والحقيقة ألا أحد من المعاتبين لحماس، ذلك الزمن، كان يملك أي خيارٍ آخر، كانت حماس تملكه، لمواجهة التكليف الدولي، لتصفية المقاومة، وهذا لا يعني مطلقا تبرئة حماس من الأخطاء.
سواء في صناعة بنية التفكير الاستراتيجي، أو اللغة التي استخدمتها مع أطياف الشعب، بعد حركة 2007، وحجم المرونة المدنية التي انحسرت في الشارع الفلسطيني، وصولاً إلى اضطراباتها الجديدة، بعد فشل الثورة السورية عند محاولة ربطها بالمحور الإيراني.
وهي ملفات صعبة جداً واجهت الحركة، لكن الحركة كانت تخنق ويخنق شعب غزة، بلا هوادة من قبل حدث 2007 وإن شدد الخناق بعده، حتى قرارات الاونروا القاسية مؤخراً، وفي تقديري أن من ضمن الأخطاء، التي تورطت فيها حماس بسبب الضغط المتوحش على شعبها، وقد ورثتها من المقاومة الفلسطينية ببعدها اليساري والقومي، سواءً في فتح أو في فصائل أخرى، كانت قضية استهداف المدنيين اليهود، في فلسطين المحتلة، والتي انتبهت لها حماس مؤخراً.
بغض النظر عن طبيعة الصناعة الحربية للمجتمع الإسرائيلي، وحجم التطرف المعادي للإنسان العربي، فضلاً عن ضحايا الاعتداءات الإرهابية المتكررة للآلة الصهيونية، وهو المدخل اليوم، الذي يقتضي الحذر من أي تورط فيه، لبعده الأخلاقي، ثم لحجم الرد غير المتوازن، جراء البغي الإسرائيلي المعادي، والمدعوم عالمياً.
إن الفارق اليوم بات واضحا جداً، لما بعد حرب غزة 2009 2010، وبين العاصفة السياسية لأزمة الخليج 2017، وملفها في قضية القدس، التي تُمثل بيضة الديك الذهبية، للرئيس الأميركي وفريقه الصهيوني المتطرف، إن الحسابات اليوم قد اختلفت كثيراً، فحتى مساحة التضامن الإعلامي والإنساني، الذي كفلته قطر سابقاً، أصبح تحت الحصار.
وموقف العدالة التركي الذاتي، الذي لا يزال يكفل بعض الدعم لمناطق الـ 48، ومساحة تضامن إعلامي وإغاثي إنساني، من داخل تركيا، له حسابات قومية خاصة، تمد الجسور بحيوية مع تل أبيب، لقناعة تركيا التي تجددت، أن تحييد الغرب، عن عهد العدالة الجديد، بعد مغادرة التجربة الفكرية الأولى إلى النظام الرئاسي، في حاجة ماسة لرابط إسرائيلي أي أن المشادات الإعلامية مع تل ابيب، لم تغيّر استراتيجية أنقرة، في هذه الجسور لدورها في العلاقة مع أوروبا وواشنطن.
وهي معضلة معقدة، لا نطرحها في مسارها الفكري، ولا الاستراتيجي، لضعف وانهيار بنية الشرق المسلم، والانكفاء المشدد على الشأن القومي لكل دولة، فهذا يحتاج كتابا ومؤتمرات، وإنما نتناول ذلك، من خلال الرؤية الآنية للواقعية السياسية، التي تواجهها فلسطين وقاعدة المقاومة في غزة.
هذا في مشهد الداعمين المباشرين، أما الدعم المشروط في الضفة الإيرانية، فهو ليس متحمساً أبداً لقضية غزة، بقدر ما يكفي من إبقاء البازار الإعلامي للجمهورية الإيرانية متفاعلاً، كونه لا يزال يمثل حركة الاستقطاب المركزي، لجذب الشارع العربي والمسلم، فإيران اليوم، تراهن على تحالفها الروسي، وكسره للحصار، حيث سيسعى الأميركيون مع موسكو، إلى تحقيق أكبر معادلة تعديل لصياغة جديدة، للاتفاق النووي الملغى.
هنا مفصل مهم جداً، أمام قيادة المقاومة في غزة، فموسكو في ملف أمن إسرائيل، وكما أكده المؤتمر الصحفي الأخير بين الرئيسين بوتين وترامب، لن تُغضب تل أبيب في اللعب بهذه المساحة، ولا يعنيها مطلقا، سحق غزة، ومن هنا فطهران تدرك، أن ورقة حماس لا تمثل لها بعداً استراتيجيا اليوم، وهي تسارع الخطى، لنقل واقع الحصار الاقتصادي الجديد لإيران، إلى مسارات توسع دفاعي، بعد أن حُسمت حرب سوريا لصالحها.
هكذا بدت التقاطعات المرنة كلياً أو نسبياً، أما المحور المناهض رسمياً وعلناً، للمقاومة الفلسطينية، الذي تقوده أبو ظبي والرياض، بكل صلف ولغة شرسة، فقد بات يشمل الشعب الفلسطيني نفسه، والتهوين من قضية القدس، ووضعها في سياق الصراع الشرس لأزمة الخليج العربي، فمؤشرات موقفه لا تحتاج لشرح ولا تطويل.
هنا يبرز اضطرار حماس الكلي، للاستفادة من الحسابات الخاصة بالجيش المصري، وهي حسابات هشة ومؤقتة في بعضها، لكن ما زالت تشكل عاملا حيوياً، لقرار المخابرات الحربية في مصر، المكلف بتقدير الموقف، على الأرض، ولذلك فإن حماس اليوم وغزة وشعبها، تحت هذه الكماشة، فتقدير الموقف لدى مركز القرار، والمكتب السياسي لحماس، يدخل فترة حرجة جدا.
كيف سيتم التعامل مع تسلم رام الله لغزة، الذي سيدخل معه موسم دعم اقتصادي، يسدده محور الخليج، قرره ترامب لاستيعاب، حالات الغضب والإحباط الشرسة، التي يعيشها شعب غزة؟
والى أي حد ستستطيع حماس المحافظة على أمن قوات المقاومة، هي معادلة معقدة بلا شك، لكن قد يكون لها مخرج واضح، وهو أن تُحيّد المقاومة المسلحة اليوم، مقابل تفعيل ذكي للمقاومة الكفاحية السياسية والميدانية، والتي وإن نزفت دماً لشهداء جدد، لكنها أقل بكثير من حصاد الحرب الاجرامية للصهيونية المستفردة بالعالم اليوم.
ثم ترك جغرافية غزة للعملية السياسية الجديدة، لكن دون التخلي عن قوة ردع، تحمي ما نجحت مقاومة فلسطين، في تأسيسه في غزة، ونقصد منع الدوريات المشتركة بين رام الله والمخابرات الإسرائيلية، من تكرار ما فعلته في الضفة الغربية.
بمعنى أن تبذل حماس كل إمكاناتها، لعدم المصادمة العسكرية، رغم العدوان الإسرائيلي، لأن الغطاء العالمي المنحاز اليوم، لا حدود له، لصالح تل أبيب، هذا غير حالات التطبيع النشطة من الجميع بلا استثناء، الفرق هو ما بين التطبيع مع الثقافة الصهيونية ذاتها، أو التطبيع السياسي والإعلامي والاقتصادي مع إسرائيل.
ولا تملك غزة إلا هذا الرهان لدحرجة هذا الزمن الصعب، حينها قد تعيش المنطقة تغيرات جديدة، أو تفرض تل أبيب قسريا حالة حرب كلية، بعد أن تُنسق مع ترامب ومحوره، عندها تكون الحرب فرضت لأجل تفعيلها على الأرض، وليس لوقف أي عمليات لحماس، عندها فقط لا يوجد خيار إلا ركوب الموج، وأحيانا تأتي سفنها بما لا يشتهي الإرهاب الإسرائيلي.
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
30/07/2018
2742