في مثل يوم أمس الثامن من يوليو 1972 اهتزت الحازمية الضاحية البرجوازية على طريق دمشق - بيروت الدولي، جنوب بيروت، وتناثرت اشلاء غسان كنفاني وابنة شقيقته لميس حسين نجم جارة اهلي بالكويت، لم احتمل الخبر فسقطت على الارض ابكي استاذي ومعلمي ومن وعدني بأن يكون لي نصيب في التدرب في الهدف جريدة الجبهة الشعبية التي كان يملكها ويرأس تحريرها،
في مثل يوم أمس استشهد غسان، ولم يذكره احد لا في سلطة ولا جبهة شعبية، ولا خارج سلطة مع ان غسان كان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، ولا يمكن أن نستعيده إلا إذا استعدنا الوطن.هذا المقاتل الذي كان يوجه رصاص كلماته إلى عدوه إسرائيل كان فنانا مرهف الحس عاشقا ينثر ورود الحب أمام معذبته غادة وفيها كانت كلماته تفوح عشقا وثورة من صحف ومجلات عمل بها منها «الرأي» في دمشق، «الحرية» و«المحرر» و«فلسطين» و«الأنوار» في بيروت، ومجلة «الهدف» التي كان يملكها في بيروت. كان يرسم لوحات تجسد معاناة شعب ويصدر روايات تقلق دولة من رئاستها إلى جنودها.«باغتياله تخلصنا من كتيبة دبابات والآلاف من المخربين».. هكذا صرحت رئيسة وزراء إسرائيل، غولدا مائير، بعد عملية اغتياله، لكن من هو غسان وماذا قالوا عن رجل عاش 36عاما فقط وقدم خلالها 18 رواية ترجمت إلى كل لغات الارض العامة، وفي هذه المناسبة أعيد ما قاله عنه من عرفوه عن قرب:
عدل
محمود درويش: لدى قراءة كنفاني اليوم نكتشف، أولاً ودائماً، أنه في عمق وعيه كان يدرك أن الثقافة أصل من عدة أصول للسياسة، وأنه ما من مشروع سياسي دون مشروع ثقافي.
نجوان درويش: تبرز مكانة غسان كنفاني في كونه السارد الفلسطيني لمرحلة التهجير واللجوء، وتشكُّل سؤال المقاومة الفلسطينية الذي تجاوز خطاب التفجع والبكاء وانتظار الإغاثة. فكنفاني هو أيضاً كاتب تجربته الشخصية التي تماهت مع التجربة الجمعية إلى درجة يصعب فصل الواحدة عن الأخرى. وهو يشكّل حالةً استثنائيةً في اقترابه المباشر من حرارة التجربة وكتابتها، من دون أن تحترق أجنحة الفنّ في كتابته.
أنطون شلحت: مسيرة غسان كنفاني في الصحافة، تكاد توازي حضوره الإبداعي وتفوقه غزارة. لفت الأنظار في الكويت بتعليق كان يوقّعه (أبو العز)، وكان نشر مقالاته الأولى في (الرأي) في دمشق. كتب في الأدب والنقد، لكن مقالاته السياسية هي التي أثارت الاهتمام الأكبر.
بيار أبي صعب: لم يعش سوى 36 سنة. لكننا إذا نظرنا إلى كتاباته الروائية والقصصية والمسرحية والنقدية، إضافة إلى عمله كباحث وسياسي ومؤرخ وصحفي ورسام، نحسب أننا أمام كتيبة من المؤلفين، وليس كاتباً فرداً.: كانت حياته القصيرة وإبداعه أقرب إلى عاصفة من القدرة على التعبير عن الكرامة والوطن خرجت من مخيمات نكبة 1948، وحملت معها إلى العالم كله صورة تلك المخيمات وقضية شعب سدت أمامه كل الأبواب ولم يبق له سوى دخول التاريخ برأس ثابت كالرمح، لأن الوطن لا يستبدل بشيء آخر أيا كان.
أحمد الخميسي: كان غسان كنفاني في حياته القصيرة، أنموذجاً طافحاً لحالة الشغف. نستطيع الانتهاء إلى هذا الاستنتاج من خلال العديد من التفاصيل المتفرقة، التي نلتقطها في الحياة اليومية لغسان، كما من ذلك التناثر الجميل على العديد من الأنساق الإبداعية التي جرَّبها، من القصة القصيرة، إلى الرواية، إلى المسرح، إلى الفن التشكيلي، وربما الشعر.. ومن البحث والدراسة، إلى النقد الأدبي، إلى الكتابة الصحفية والتحليل السياسي، إلى الكتابة الساخرة.
بشار إبراهيم: كان اللون والخط بداية عطائه الذاتي ولكنه وجد أن الكلمة أكثر التصاقاً بالفكرة وأكثر تعبيراً عنها فاستخدم الكلمة في مجال القصة القصيرة والرواية والمسرحية والدراسة والمقال السياسي فقد كان أول من تعرض لدراسة الأدب الصهيوني دراسة علمية وافية.
داوود يعقوب: لقد تعمد غسان بمطر يافا، وحين غادرها كان مطرها قد اخترق جلده إلى الأبد وصار من بعض دورته الدموية... وكان النسيان مستحيلاً. وكان غسان منذ البداية يتقن استعمال قلمه وسكينه معاً، ويؤمن بهما معاً... أرى غسان دائماً: رجل قلمه من الناحية الثانية مشرط قاطع، إنه الرجل الذي لا يحجم عن استعمال السلاح المناسب في الوقت المناسب، طرف القلم وطرف المشرط، وبوسعه: (أن يصنع الحياة بمشرط جارح).
غادة السمان: سأحاول أن أنبش وهج رسائله إلى غادة السمان، لا بوصفها فضيحةً معلنةً، كما أرادها حملة السيوف، بل من باب أنّ هذه الرسائل نصوص عشق متوحّشة. فالمناضل الجيد عاشق جيد بالضرورة. كنفاني كما تكشف عنه سطوره في الرسائل يكتب نصاً متوهّجاً من دون أقنعة. ولعله في مثل هذه الاعترافات تكمن خصوصية كنفاني، فهي إضافة أصيلة إلى نصه الآخر، النص الثوري والمقاوم... الرسائل نصوص نادرة كم نحتاج إليها في مكتبة فقيرة، بعيداً من نصاعة الزيف الأدبي الذي تغرق به رفوف المكتبة العربية والفلسطينية، بعدما ضاقت بالصراخ والديناميت الفاسد.
خليل صويلح: عودّنا غسّان أن تكون هداياه لنا بالمناسبات «مولد أحدنا أو الأعياد الدينية والوطنية» رسائل أو لوحات يرسمها.
كلمة مباحة
نريد فايز غسان ان يعيد غسان، وليلى غسان ان تعيد غسان، وفايز وليلى هما ابنا غسان من زوجته الدنمركية آن كنفاني.
بقلم : سمير البرغوثي