لم يكن مستغربا لأي متابع أو مفاجئا لأي مراقب ما أعلنه البرلمان الأوروبي من فرض عقوبات شديدة وقرارات عديدة الأسبوع الماضي بحق حماس وأعضائها.
ومعروف أن البرلمان الأوروبي يعد من أقوى الهيئات التشريعية في العالم ويتكون من 705 أعضاء منتخبين ويصدر تشريعاته بناء على اقتراح من برلمانات أعضائه ويتولى التشريع بناء على اقتراح من المفوضية الأوروبية، وهذا معناه أنه هو المتحدث الرسمي والموضح الرئيسي لوجهة نظر أوروبا.
أما أبرز ما جاء في الغرامات وأتى في القرارات، فتمثل في تصنيف حماس منظمة إرهابية والمطالبة بتفكيكها والقضاء عليها والإفراج الفوري عن المحتجزين لديها، ووقف عملياتها وإدراج 6 أشخاص منتمين إليها إلى قائمته السوداء، لتجميد أصولهم وحظر تأشيرات الدخول لأوروبا عليهم، ومنع مواطنيه من التعامل معهم، وعلى رأسهم رئيس مكتبها السياسي بالقطاع يحيى السنوار، ومن قبله قائد «القسام» محمد الضيف، وعدم وقف إطلاق النار إلا بعد تنفيذ تلك القرارات.
وبنظرة دقيقة ورؤية عميقة سنجد أن هذه القرارات، بعد صدورها، قد أظهرت مدى التباين وعمق الاختلاف بين الأوروبيين أنفسهم، ففي الوقت الذي طالب فيه حزب اليسار الاشتراكي الديمقراطي والخضر والوسط، وقف إطلاق النار أولاً ودون شروط مسبقة، أصر الحزب الشعبي الأوروبي على رفض القرار وطالب بإطلاق المحتجزين أولا وعدم وقف إطلاق النار من جانب إسرائيل بحجة تقويض حقها في الدفاع عن نفسها، وهذا الموقف الأخير تتبناه كل من ألمانيا والتشيك والنمسا، عكس بقية الدول.
وقد أبرزت تلك القرارات الوجه الحقيقي لأوروبا وأميركا.. أما لأوروبا فلأن إسرائيل صنيعتهم، وأساس نشأتهم، لذلك رحبت مباشرة بالقرارات على لسان وزير خارجيتها الذي وصفها بـ «العادلة والأخلاقية»، وأما بالنسبة لأميركا فلأن أوروبا تأتمر بأوامرها وتنتهي بنواهيها، وما يصدر في «واشنطن» يصل مداه، ويسمع صداه في «لوكسمبرغ».
ولاشك أن تلك القرارات ستساهم في زيادة مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين والعداء للأوروبيين، وهو ما يضر بسمعة أوروبا، حتى أن جوزيف بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد أعلن مؤخرا أنه يتعيّن على أوروبا إبداء مزيد من التعاطف مع الفلسطينيين إزاء ما يتكبدونه من خسائر، وهذا ما يتحقق من خلال وقف إطلاق النار فورا دون شروط، وحل الدولتين، وإيصال المساعدات للمدنيين والتعامل بنفس المعايير مع الحربين في أوكرانيا وفلسطين فـ «حياة البشر لها نفس القيمة في الأماكن كلها».
.. أخيرا لا بد من التأكيد على أن هذه القرارات وتلك العقوبات، تثير الضحك، وتدعو إلى السخرية.
أما إثارتها للضحك، فلأن ما يدعو إليه الأوروبيون، من القضاء على حماس وعلى أعضائها، وعلى إطلاق الرهائن الفوري، عجز عنه الإسرائيليون رغم الدعم المادي والمعنوي المطلق لهم أوروبياً وأميركياً الفترة الماضية، بل وأعلنوا بأنفسهم أنهم يحتاجون لسنة أو أكثر لتنفيذه.
أما دعوتها للسخرية، فلأن وضع أعضاء حماس على القائمة السوداء، شيء يدعو للفخر، لأنهم يعملون على تحرير ترابهم، ورفع راية دينهم، وبالنسبة لمنع دخولهم إلى أوروبا، فلن يفرق معهم، لأنهم لا يتجولون فيها ويسافرون إليها، وأما تجميد أرصدتهم، فهم لا يملكون داخل بنوكها مليارات الدولارات، وأقصى ما يملكونه، الكثير والكثير من الحسنات، وهذه لا يقدر على مصادرتها إلا رب الأرض والسماوات.