+ A
A -

انطلقنا في المرحلة الأخيرة من مسيرة تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، بتدشين استراتيجية التنمية الثالثة 2024 – 2030 واقفين على أرض صلبة، ترتكز على أسس متينة، تضمن مسبقا نجاح هذه الاستراتيجية في تحقيق أهدافها وإتمام مبادراتها بجدارة، في مقدمتها ما أكده حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في كلمته خلال افتتاح دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الأول، الموافق لدور الانعقاد السنوي الثاني والخمسين لمجلس الشورى في أكتوبر من العام الماضي، حيث قال سموه حفظه الله ورعاه: «ستقوم الدولة بتخصيص الـموارد اللازمة لتنفيذ مبادرات ومشاريع استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، بالإضافة إلى الـمشروعات الرئيسية ذات الأولوية لتعزيز الفرص الـمتاحة أمام القطاع الخاص»، يلي ذلك ما ثبت دائما على أرض الواقع أن قطر انتهجت ثقافة الفعل قبل القول، وترجمت هذا الشعار بإنجازات تحققت على أرض الواقع، كان ينظر البعض إليها في الماضي على أنها ضرب من الخيال أو واحدة من المعجزات، كاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم على سبيل المثال التي أخفق في نيلها بعض الدول العربية الأكبر مساحة والأكثر عددا، فقلنا «نحن لها» وحققنا المعجزة ليس باسم القطريين وحدهم، وإنما باسم العرب جميعهم، فمن يتحدى المستحيلات ويستعد للتحديات يستطيع صنع المعجزات، لا نقول هذا من باب الرياء أو التفاخر، ولكن إلهاما للأجيال القادمة بأن لكل مجتهد نصيبا.

كما أن نجاح الاستراتيجيتين السابقتين في تحقيق أهدافهما التي وضعت مسبقا، وإنجاز بنية تحتية فريدة في مجالات الأشغال والتكنولوجيا والنقل والاتصالات والصحة والتعليم، يسهِّل إنجاز مشاريع ومبادرات الاستراتيجية الثالثة، وتحقيق أهدافها بوتيرة أسرع، فكل الشواهد تؤكد أن قطر بحلول عام 2030 ستكون قد انتقلت رسميا إلى مصاف الدول المتقدمة، ووفرت كل عوامل التنمية المستدامة، وأمَّنت استمرار العيش الكريم لشعبها جيلا بعد جيل.

وبإطلالة سريعة على محاور ومضامين الاستراتيجية تشير العديد من المميزات والطموحات التي يجدر بنا إلقاء الضوء عليها، منها تعزيز أول مرتكزات الرؤية بالاستثمار في رأس المال البشري عبر توفير تعليم فائق الجودة يمثل حاضنة للعقول المبتكرة والمبدعة، لتنطلق إلى الأمام في ابتكاراتها وإبداعاتها، وتدريب وفق أعلى المعايير، يوفر لسوق العمل كفاءات ذات المهارات العالية التي يحتاجها، إذ تطمح الاستراتيجية إلى أن تكون نسبة المهارات العالية 46 %، علما بأن مؤشرات القياس العالمية تشير إلى أن وجود نسبة 40

% من الأيدي العاملة الماهرة في أية قاعدة إنتاجية -بالمعنى الشامل للإنتاج- كفيلة برفع الانتاجية إلى 50 % زيادة عن غيرها، فضلا عن تحقيق التنافسية، لأن رأس المال البشري هو العامل الحاسم في كل مراحل النهوض بالقطاعات المختلفة، وانتقال الدول من توصيف إلى توصيف أعلى، ويناط به الدور الأساسي في الاقتصاد المستدام وزيادة إنتاجية الفرد وتحسين كسبه، ورفع مستوى معيشته ورفاهيته، خصوصا إذا ما تضافرت جهود العنصرين الرجل والمرأة، فالوقائع تؤكد أن وجود المرأة في خضم العمل يمنحه رؤية أشمل ومساحة أوسع، لوجود العديد من المجالات التي تحتاج دور المرأة أكثر من دور الرجل، في حين أن بقية المجالات يشترك فيها الطرفان بنسب متساوية.

وفي معرض حديث سمو الأمير المفدى عن الاستراتيجية أكد على ضرورة تعزيز الفرص المتاحة أمام القطاع الخاص، ففي الدول التي بلغت شأنا كبيرا في التقدم نجد القطاع الخاص الشريك الفاعل للحكومة في تنفيذ البرامج والخطط والمبادرات التي رفعت تصنيفها، لقدرته على توفير فرص عمل المجتمع، لذلك من مزايا الاستراتيجية الثالثة أنها تستهدف زيادة الكادر المحلي في القطاع الخاص إلى ما نسبته 20 %.

تشير دراسات عدة في الدول الكبرى إلى أن القطاع الخاص ينفذ حوالي 85 % من خطط التنمية المستدامة، ويحل المشاكل المعضلة المتعلقة بالتمويل، ويتركز دور الحكومات فيها على التدقيق في إبرام العقود، ورسم خطوط فاصلة تضمن بها أن تكون الشراكة مفيدة للطرفين، ولا تقتصر على مراعاة البعد الاقتصادي فقط، وإنما على بعد آخر لا يقل أهمية وهو البعد الاجتماعي عند تحديد أسعار الخدمات الناتجة عن المشروعات التي ينفذها القطاع الخاص.

وتطمح الاستراتيجية أيضا إلى تعزيز التنافسية، فهي عامل أساسي من عوامل الاستدامة، وبدونها لا ضمان للاستمرار إذا ما أخذنا في الاعتبار ما نشرته مجلة Forbes الأميركية المتخصصة في النشر حول عالم الأعمال والاقتصاد بأن كل سنة ينطلق حوالي 30.000.000 من المشاريع الجديدة في أنحاء العالم، يستمر منها ما دون النصف، بينما يتفوق حوالي 1 %، لتميزها بعلامات تجارية تحقق شهرة عالمية، واعتمادها أحدث الأنظمة التكنولوجية، والقدرة على التكيف، ودراسة الأسعار، وجمع المعلومات، وخدمة الزبائن، والقول الفصل هنا يمكن تلخيصه في «أن ميزة التنافسية القوية تتحقق باستخدام أساليب العمل المتطورة، وأحدث الابتكارات، وتتبع التطورات في الأسواق للاستفادة منها، ورصد أنشطة المنافسين وتحليل استراتيجياتهم وتوجهاتهم، وسدة الفجوة بيننا وبينهم لضرورة التفوق عليهم».

إن تحقيق الاستراتيجية على هذا النحو من شأنه استدامة التنويع الاقتصادي الذي بدأته قطر بالفعل، والدفع به قدما إلى الأمام لتعزيز الموازنة عاما بعد عام، وهذا بفضل الله ما يحقق مستقبلا أكثر ازدهارا.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري - خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية وحوكمة المؤسسات

copy short url   نسخ
23/01/2024
145