+ A
A -
حين تحدثنا عن الموصل في المقال السابق كنّا نعني بالضرورة أنها هي المفصل الكبير في حرب الشرق الأميركية، وإن كانت الفلوجة التي اجتاحتها إيران والمارينز أكثر من مرة ذات أهمية قصوى. واستعراض كامل خريطة المعركة في المشرق العربي، يؤكد بلا شك، أن قيادة الحرب المركزية على المشرق العربي، لا تزال في يد واشنطن قبل أي قوة أخرى، وأن شراكة طهران القديمة وموسكو الحديثة، لم تُخرج القيادة المركزية لواشنطن في حرب الشرق الكبرى في سوريا والعراق.
ونحن اليوم نتتبع خطى المعركة وليس أقوال المؤامرة المُطلقة، وإن كان أصل المؤامرة ومبرراتها قائم بكل وضوح في عنوانه المركزي الرئيس، وهو منع أي محاولة للتمرد على النظام الدولي الذي تقوده واشنطن، وضمان انتقال المشرق وحديقة الخليج الخلفية في العهد العالمي الجديد، إلى وضعية (تحت السيطرة) لا خارجها.
وبالتالي أيُّ مسارِ تقود إليه الأحداث من توسع أكبر في الحرب الطائفية في المشرق، أو اهتزاز النظام الرسمي الحليف النسبي أمام إيران، واضطرابه أو سقوطه، فإن قدرة واشنطن على تحريك وضعية تحت السيطرة، ستكون عبر أدوات تسعى لامتلاكها اليوم.
إن توظيف الأحداث في مشاريع الفوضى الخلّاقة هو البرنامج الحيوي الفعّال لواشنطن، فتنجح فيه وينجح فيه الإيرانيون، دون أن يخلقوا بالضرورة هذه الجماعة السياسية والعسكرية، بل قد استفاد الطرفان من دعم فوضوي، قدّم لجماعات متعددة من توليدات السلفية الجهادية، ضربت الميدان العراقي ثم السوري من 2003 حتى 2013، وحينها دخلت الثورة السورية تحت رهان هذه الجماعات وداعميها، وحُيّدت القوة المركزية الرمزية للثورة، في فصائل التخويل العراقية والعشائر، وفي الجيش السوري الحر حديثا.
واستطاعت سياسة الرئيس أوباما حت الآن على الأقل تحقيق نجاح لنظريتها كبديل لهزائم واشنطن في العراق وافغانستان، في استخدام حرب الآخرين، ومشاركة نخبة عسكرية ومخابرات نوعية، لكن وفق ذات العقيدة القومية للولايات المتحدة الأميركية، أي ضمان التفوق والقرار السياسي وأمن تل أبيب، وتحييد العرب وتركيا، والعودة لشراكة مرحلية مع إيران، ليس بالضرورة أن يعتمداها إلى الأبد خاصة مع دخول موسكو.
ومؤخرا نجحت واشنطن في الهاء تركيا بالقضية الكردية، ووضعتها في موضع الدفاع، والانكفاء في الثورة السورية في تموضع حماية لحدودها لا أكثر، بعد أن كانت تركيا تمتلك فرصة دعم تشكيل عسكري موحد للثورة السورية قوامه الجيش الحر، ولكن سُمح للنصرة بالتضخم، وقد كانت عنصر مرحلة وقتي لا استراتيجي، استخدمها الخصم كما داعش لضرب الثورة السورية، وتقود واشنطن اليوم رسميا حرب كردستان السورية، في مواجهة الثوار، تزامنا مع حرب تصفية حلب الروسية.
وفي جنوب المشرق حققت واشنطن اختراقا مهما لتحييد الرياض، بعد توقف الحرب عند مفاوضات الكويت وتعليق الحسم في صنعاء، وإشعال حرب اجتماعية ضد الشماليين في عدن، وحرب فكرية ضد الإسلاميين في أوان المعركة، وهو ما عزز موقف إيران والحوثيين كثيرا، وأضعف الشرعية، وبالتالي خسارة تفوق عربي أول امام إيران.
وغير خافٍ أن واشنطن كانت رافضة لأي تغيير لقواعد اللعبة في جنوب الجزيرة، بعد صفقتها مع طهران، وعليه فتعود بقوة لتُدير ملفات حرب الشرق في تموضع قوي، وتهدد أنقرا والرياض بملفات عديدة تسوقها تدريجيا.
هنا يتضح أن المعركة أكبر بكثير من اجتياح الحشد الشيعي الإرهابي للفلوجة، بعد أن استُخدم الحشد الداعشي الإرهابي ضدها، والضحية في كل المعارك المدنيون والشرق العربي واستقراره وأمنه، فيما واشنطن تظل الراعي الكبير للحروب.
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
02/06/2016
2748