+ A
A -
مَنْ يتصور أن المرأة يأتي عليها يوم وتبيع نفسَها إرضاءً للمجتمع، في حجمه الطبيعي، أو في حجمه المضغوط (العائلة)؟! مَنْ يُقدِّر حجم الخيبة الثقيلة التي ستسقط فيها هذه الأنثى عندما تقفز على طموحاتها لترضي رَجُلا، قد يكون مناسبا، وقد يكون دون المستوى؟!
المرأة، بشفافيتها ورهافتها ورِقَّتها، لا تُنْصِفُها غالبا المجتمعات العربية التي مازالت تربط المرأةَ بحبل الرَّجُل وتُخْضِعُها لقانونه حتى وإن قَيَّدَتْ صوتَ حرّيتها. المرأة التي مازالت تَجْأَرُ تحت نير الأعراف والتقاليد (التي ما عادت تنسجم مع خصوصية الوقت الراهن) كيف يُخَيَّلُ إلينا أنها ستسعد وتحظى بالدفء والحُبّ تحت سقف الزواج الذي يتَّخذه بعض الرجال مَطِيَّةً لإخضاع المرأة والنيل منها بعد أن أثبتتْ تفوُّقَها وبَهَرَتِ الأخريات والآخرين بعظمة فكرها؟!
المشكلة ليست في هذه التفاصيل، وإنما تقبع في قلب الأزمة التي تُهَدِّدُ المرأةَ بالحياة وحيدة في ظلّ انقراض الرِّجال الذين يمكن للمرأة أن تُعَوِّلَ على الواحد منهم. بعيدا عن جدران بيت الزوجية، لا المجتمع ولا حتى الإناث الأخريات اللواتي تبذل المرأةُ قصارى جهدها في الدِّفاع عن قضاياهنّ يعترفون بوجود المرأة رغم وجودها.
المجتمعات العربية تعوَّدتْ على النظر إلى المرأة من نافذتين: زوجة تمتثل لسلطة زوجها، وابنة أبيها الذي يحقّ له التصرُّف في أمرها. إذن كيف يعقل أن المرأةَ في أوج عطائها ونضجها الفكري تُعَطِّلُ إمكانياتها لترضي طرفا من الطرفين؟! وماذا تفعل إذا كانت مطلَّقة، أو أرملة يسري عليها غالبا حُكْم البنت دون الزواج؟! وماذا تفعل إذا كانت تُؤْمِنُ بتطلُّعاتها في حدود الممكِن لا المُحال، فإذا بها تَجِدُ من المُعيقات ما يكفي لدفنها حيّة تحت تراب الموروث وتقاليد وأحكام أكل عليها الدهر وشرب؟!
الأكثر تشويشا في كل هذا أن المرأةَ تَجِدُ نفسَها مُجْبَرَةً على القبول بأيّ رَجُل مهما اختلفتْ طباعهما ونظرتهما إلى الأمور، كلّ هذا خَشْيَةَ ألاّ تَجِدَ المرأةُ في نهاية المطاف رجلا ينتظرها، وهنا بيت القصيد. الخوف من غدر الزمن يلاحق المرأةَ في هذه المجتمعات التي تعطي الحقَّ للمرأة في أن تَطْمَحَ وتُحَلِّقَ وتَفْرِضَ وجودَها شريطة ألاّ تفشلَ كزوجة وإلا نصبت المجتمعاتُ أنفسَها قُضاة، ولا غرابة أن يكون حُكْمُ أفراد المجتمعات أكثر وطأة على المرأة حين ينصب الأفرادُ أنفسَهم قضاة يُقَرِّرون مصيرَ المرأة.
الرَّجُلُ ما أعظمه إذا تَوَفَّرَ فيه الأمانُ والحنان الذي تعشقه المرأة، وفي غيابه يَصْعُبُ عليها أن تكون مُتَوازِنَةً. لكن أن تلقي المرأةُ بنفسها في جحيمِ مَنْ لا يعرف إلى الرُّجولة طريقا فهذا أسوأ شَرٍّ قد يلحق بها، إنه شَرّ لابدّ من تَلافِيه بأيّ السُّبُل ولو حَكَمَتِ المرأةُ على نفسها بالبقاء بعيدا عن الرَّجُل في غنى عن خدماته التي لن يُقَدِّمَها يقينا. لن نقول إن حياةَ المرأة بعيدا عن الرجل ستجعلها مُتَّزِنَةً، لكنه على الأقلّ شَرّ أرحم مِنْ شَرٍّ. فأقصى ما يُلْغِي آدميةَ المرأة هو أن تَسْقُطَ ضحيةَ زواجٍ غير متكافئ يُهِينُها ويحدُّ من عطائها ويُحْبِطُ مَساعيها ويُشْعِرُها بالفشل الذي يجعلها عاجزة عن الخَلْقِ (الإبداع) رغم ما تتمتَّع به من قدرات.
لِنُفَكِّرْ في أن ثمّة نساء لم يُجَرّبن بَعْدُ إحساسَ الأمومة ولا حضنَ الزوج، ليس لأنهن ناقصات عقلٍ وجَمالٍ، وإنما لأنهن لم يُقابِلْن بَعْدُ النِّصفَ الآخر الذي يُسَمَّى الرَّجُل بحقٍّ ذاك الذي يُثَمِّنُ خطواتهن على طريق النجاح ولا يدوسهنّ بحذاءِ جَهْلِه أو غيرتِه المُدَمِّرَة أو ما تَرَسَّبَ في ذهنه من مُخَلَّفات التفكير الذُّكوري الذي لا يعترف بالمرأة خارج نطاق الخادمة المطيعة (أُمًّا، زوجة، ابنة..).
في غياب الرَّجُل، الرَّجُل بكلّ المقاييس، لن تُقْدِمَ المرأةُ على خطوة الزواج، لأنها ستكون متأكِّدةً من أن الزواجَ هروبا من مطاردة المجتمعات لها سيجعل التجربةَ تفشل ما لم تُنْقِذْها المرأةُ بالاستسلامِ للأمر الواقع والتعجيلِ بمُغَادَرَةٍ طوعيةٍ للعمل والهوايات والاهتمامات والأحلام.. ما أقسى أن نُغادِرَ أحلامَنا ونُجْهِضَها في زمنٍ قَلَّ فيه من يحلم ويحقِّق حلمَه!

بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
02/06/2016
2509