+ A
A -

انطلقت بطولة كأس آسيا لكرة القدم في دورتها الثامنة عشرة، بحفل افتتاح مميز شمله حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، برعايته الكريمة، لنعيش على مدى شهر كامل وسط أجواء من المتعة والفرحة والإثارة والتشويق، ويعيش في رحاب قطر ضيوف أعزاء وفدوا علينا من آسيا أكثر القارات سكانا، ومن بقية دول العالم، تجارب رائعة في حسن الضيافة، والمعنى الحرفي للحياة العصرية ورفاهيتها، وخدمات الاتصالات الحديثة وسهولتها، وسلاسل المطاعم والمتاجر العالمية في أكبر المولات والمراكز التجارية وفخامتها، وراحة في التنقل بين الملاعب ومعالم الدولة المميزة بمستويات غير معهودة في بلاد أخرى، وتنظيم مُتقن بلا صعوبات في شراء التذاكر ودخول الملاعب، لأنهم في قطر التي ارتبط اسمها بالإتقان في كل ما تنجزه، وتتخذه من مبادرات، فهم قد جاءوا إلينا بتسليم مسبق أنهم قادمون إلى أفضل البلاد تنظيما وكرما وحسن ضيافة، إذ أصبحت فعالياتها معيارا أو مقياسا معترفا به عالميا لقياس أية نجاح أية فعالية أو بطولة رياضية في أي مكان آخر من هذا العالم.

استضافة هذه البطولة وغيرها من البطولات رفع علامة قطر، لتصبح ماركة «براند» يشار إليها بالبنان في كل شيء، ذلك لأن الرياضة وخاصة كرة القدم لم تعد مجرد لعبة للتسلية والتشويق، يترقب الناس فيها اسم الفائز فقط، وإنما تحولت إلى حياة كاملة بكل جوانبها ومقوماتها، ففي عالم اليوم اقترن تنظيم البطولات الرياضية بالفوائد الاقتصادية وعوائدها الاستثمارية، فإذا كان الجمهور المحب للكرة يستمتع وينتظر أن يفوز منتخبه ليحتفل بالفوز ويعيش نشوة النصر، فإن رجال المال والأعمال لا يشغلهم هذا بالقدر الذي يشغل الجمهور، إنهم يبحثون في المقام الأول عن الفوز بصفقات استثمارية وعقود تجارية يبرمونها مع الحكومة واللجان المنظمة للبطولات، فقيمة الإعلانات التي عُلِّقت داخل الملاعب أو زينت قمصان النجوم، وتخللت نقل المباريات والبرامج التحليلية على شاشات التليفزيون ومحطات الإذاعات والمواقع الالكترونية شارفت في العام الماضي 2023 على نصف تريليون دولار على مستوى العالم.

ومثلما يبحث رجال المال والأعمال عن الفوز بصفقات تجارية واستثمارية، يتنافس مسؤولو السياحة والفنادق للفوز بأكبر عدد من الضيوف لشغل أكبر عدد من غرف الفنادق والمنتجعات وشقق الضيافة، كما أضحى المجال ميدانا تتنافس فيها شركات الطيران لاختطاف الفوز بلقب الناقل الرسمي، حتى المسؤولون عن الثقافة والفنون يستعدون بالعروض والفعاليات الإبداعية والترفيهية للترويج لثقافة وحضارة البلد.

خلاصة القول إن الرياضة صناعة رائجة، والاستثمار فيها من أكثر مصادر الربح في العالم وملاذا آمنا وقت الأزمات الاقتصادية، ووفقا للأبحاث التي أجرتها شركة «statista» المتخصصة في الإحصائيات، حققت الرياضة إيرادات وصلت إلى نحو 500 مليار دولار في عام 2022، وارتفع إنفاق محبي الرياضة على ثمن تذاكر المباريات، بنسبة تفوق الـ 6 في المائة خلال عام 2023، ليصل إلى 35 مليار دولار أميركي، دفعها أكثر من 307 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، ويعطي هذا الرقم صورة واضحة عن كيفية تحول الرياضة من هواية إلى صناعة واستثمار.

وليس هذا فحسب، فقد أثبتت الرياضة أنها أداة فعالة ومرنة لتعزيز حوار الثقافات وتعاون الحضارات وتعزيز الأمن والسلام الدوليين، فمنذ بداية الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2000، أدت الرياضة دوراً حيوياً لصالح البشرية في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر في القرار 70/1، تحت عنوان «تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030»، الذي اعتمد في عام 2015، جاء الإقرار بدور الرياضة الإيجابي في تعزيز التقدم الاجتماعي.

أختم بالقول إننا والحمد موفقون في تنظيم البطولات الرياضية، لأننا ابتكرنا واعتمدنا لتحقيقها أعلى المقاييس والمؤشرات خلال الاستعدادات لتنظيم بطولة كأس العالم 2022 في إطار التنمية المستدامة، ونجحت سيناريوهات الاستثمارات التي رسمناها وتأثيرها في رفع مستوى البنية التحتية، والتي تساعد بلا شك على زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وبدرجة مرتبة الشرف تمت عمليات إدارة وصنع النجاح والسمعة والتسويق الإعلامي والإعلاني والمعلوماتي لهذا الحدث الكبير الذي نحن بصدده الآن، أعني بطولة كأس آسيا لكرة القدم، طرح الفرص والإمكانات والمبادرات التي تزيد وتعمل على استدامة الفوائد من استضافة الأحداث الرياضية في المستقبل، فالشكر لله سبحانه وتعالى على هذا التميز، والشكر موصول لكل من ساهم في هذا النجاح الكبير.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية وحوكمة المؤسسات

copy short url   نسخ
14/01/2024
45