+ A
A -

قد تجد نوعا من اللذة وأنت تبالغ في استخدام مبيد للحشرات والصراصير، لماذا؟ لتفرغ المكان من أي ضيف ثقيل مما يدب على أديم الأرض، بينما استعدادك الذهني ينتشي بترقب كوب من العصير، أو كأس من الشاي تجند له أصابعك المستسلمة للزجاج الأملس وأنت شبه مستلق على الحصير.

غير أنه شتان يا صاحبي، شتان بين الحشرات والصراصير، وحتى أسراب النمل الزاحفة بعيدا عن مستعمراتها تحت الأرض المباركة، وبين «هلم جرا» من هذا الإنسان المعذب الذي يستلسم لقدره.

قدر ذاك هو الموت، وأي موت غير رحيم هذا الذي يفر إليه الإنسان متعبا متهالكا تحت وطأة التعذيب باسم الحياة، حياة مع وقف التنفيذ، أو لنقل تلك الحياة التي استسلمت حروفها هي الأخرى للموت، فما تبقى منها سوى حلبة التاء المربوطة التي يعلق على مشنقتها كل طالب للحياة تحت سقف سمائها الممطرة دماء ودماء.

سمها ما شئت وما شاءت لك فوضاك، لكنها ليست سوى فظائع وفضائح الانتهاهات الجسيمة لكل ميثاق ونص تشريعي يحترم إرادة الإنسان وحرية الإنسان وسلطة الإنسان على نفسه، وحرصه على البقاء، لا مقيد الحريات ولا مهتوك العزة، مظلته مبدأ يؤمن به ويعتنق لأجله فكرة الرغبة في تأكيد وجوده، وإن كان واقع الحال يشهد بلا وجوده.

تسطر السطور، يتمرد الجور على الفجور، تشيع الأرواح ولا تحفر القبور، القهر الدامس ليله الأليل آت، قوافل الصبر على أهلها تقتات، ومدن المكن حالفة ألا تستفيق من السبات.

إنها الجرائم الإنسانية، والانتهاكات، هي جرائم تجعل القانون الدولي نفسه عاجزا عن أن يدبر شؤون السلم بين الدول أو أن ينظم العلاقات.

وإذا كانت القاعدة تقول بأن نص القانون الدولي أساسه الحرص على السلم، باعتباره قاعدة وركيزة وحجر أساس، وأن التفكير في حرب تذكر لا يبدأ إلا من حيث انتهت محاولات البحث عن الحلول السلمية تلك التي تستنفد كليا، فإن من الصعب جدا حاليا أن يحتكم المرء إلى ما تمليه مسطرة هذا القانون في ظل الخرق السافر لكل ما يسمح بإبقاء غريزة حب الحياة.

كأننا يا سادة أمام مشهد عبثي همه قتل الغريزة، وأي غريزة؟ إنها غريزة الحياة التي لا تسافر بنا إلا إلى زمن الحقنة البائسة التي كانت تقوى على قتل الغريزة الجنسية عند بعض القطط المؤهلة لاتخاذها صديقا للإنسان، وكأنها (القطط المسكينة المعنية) لا حق لها في التزاوج واستمرار النسل.

غير أننا إذا رنونا إلى تسليط المزيد من الضوء على خلفية وضعية التبئير التي تضبط عليها العدسة، سيتضح لنا جليا أن الفرق شاسع، شاسع للغاية، إذ شتان بين القطط والبشر، وإلا لما صح أن يتم استهداف النمل البشري لمعاقبته بإلغاء غريزة الحياة (وتعمير أرضهم) كما تعاقب بعض القطط بإلغاء غريزة التزاوج (الاستمرار) لا لحكمة يعلمها الله.

الإبادة الجامحة، للإنسان، متى كان ينص عليها تلمود أو توراة أو زبور أو إنجيل أو قرآن...؟

لعله أبرز سؤال يشرئب بعنقه ليستدرج عين العقل إلى غوايته، ومن ثمة يمارس عليها لعبة الانقياد لجبروته.

مقص الحرب لا يميز بين رطب ويابس، ومنجل الصمت ما عاد يعد بمواسم حصاد، وشفرة الموت وحدها تساوم الأرواح مساومة السلطة الذكورية للإماء، على مر سنوات عجاف، في منظومة الأعراف القبلية التي تكفر بلغة الإنصاف.

كان مارتن لوثر كينغ يقول: «ما يزال لدينا خيار اليوم: إما التعايش السلمي، أو إفناء بعضنا بعضا بشكل عنيف». وهنا نسطر بخط عريض تحت الجملة الثانية، إذ لا غرابة أنها تصف وضعا قائما وقفت عنده عقارب ساعة الحياة، صدق يا صاحبي أنها الحياة نفسها التي تستحيل في غياب السلم الأمار بنزع أسلحة العنف.

العنف يتمدد اليوم كأفعى تضخ لعابها المعدل بكثافة في شرايين مدينة الإحساس لكي لا تلوذ بها قلوب المعذبين من الناس. إنها أفعى العنف تلعب بسم الرغبة في إفناء هامش منكوب من الأصوات المقصية على امتداد خريطة البشرية.

copy short url   نسخ
13/01/2024
120