+ A
A -
إعتمد كل من نموذج التنمية الصيني والخليجي على فائض العرض الموجود من العمالة الزائدة وتحويل هذا الكم غير المنتج إلى قوة منتجة حقيقية تقوم بأعمال تدر دخلاً أو نفعاً عاماً أكثر بكثير من الأجور المتحصل عليها. ولكن الفارق الأساسي كان في أن قوة العمل التي تم الاعتماد عليها في الصين هي قوة عمل محلية تم تهجيرها من الريف إلى الحضر بينما قوة العمل التي اعتمد عليها الخليج فهي وافدة (أجنبية) وتمت هجرتها من بلاد العالم المختلفة (عربية وآسيوية في المقام الأول) وبينما كانت الهجرة الصينية دائمة، إتسمت الهجرة إلى الخليج بطبيعتها المؤقتة.
والملفت أن الصينيين تمكنوا من خلال إدارتهم لملف الهجرة أن يحولوا مشكلتهم السكانية إلى ميزة تنافسية استطاعوا أن يستخدموها لإنتاج كثير من صناعات السلع ذات الكثافة العمالية المرتفعة والمنخفضة التكاليف إلى أن أصبحوا مصنع العالم الأول وتنامي اقتصادهم بمعدلات غير مسبوقة عالمياً وتاريخياً واستطاعوا أن يخرجوا مئات الملايين من الصينيين من تحت خط الفقر كما أن هناك عدة مئات من الملايين الأخرين يحضرون أنفسهم للحاق بركب الطبقة المتوسطة.
أما إدارة ملف الهجرة في الخليج فلم تكن بمثل هذا التوفيق ففي البداية لم تكن هناك ضوابط أو مبادئ أو حتى تخطيط للأعداد أو النوعيات المطلوبة من العمالة بل تحولت مسألة استقدام العمالة الأجنبية إلى وسيلة كسب ريعية لبعض المواطنين الذين استخدموا نظام الكفالة في سوق رأسمالي متوحش عالمياً لتحقيق بعض المكاسب الفردية..
ولذلك امتلأ سوق العمل الخليجي بالعمالة الغير ماهرة وظهرت العمالة العشوائية التي تمثل عبء أمني واجتماعي وثقافي واقتصادي على المواطنين والوافدين النظاميين مجتمعين وفي بعض الحالات تتسبب هذه العمالة العشوائية في مشاكل امنية خطيرة كالمجموعة الموجودة في منطقة متطرفة معروفة بالكويت وتقوم بأعمال أقل مايقال عنها أنها تعكر الأمن العام.
ولأن الهدف من الهجرة في الخليج لم يكن محدداً أو مخططاً فلقد اختلفت نتائج هذه الهجرة في كل من الصين والخليج. فبينما حولت الصين مشكلة كثرة أعداد سكانها إلى ميزة اقتصادية فأن دول الخليج التي تعاني من قلة أعداد سكانها لم تستغل الهجرة العالمية لحل هذه المشكلة كما فعلت الدول المتقدمة مثل كندا وأميركا واستراليا.
ولقد نظمت الدول المتقدمة الهجرة اليها وحولت بصورة تدريجية ومنتقاه نوعية ماهرة مطلوبة من المهاجرين إلى مواطنين ومن ثم قل اعتمادها على الهجرة وأصبح هؤلاء المواطنين الجدد قاعدة صلبة يقوم عليها الاقتصاد فأما الهجرة العالمية في الخليج بقيت ومازالت مؤقتة وغير دائمة وظلت مشكلة قلة عدد السكان كما هي ومن ثم أضحى «الوافدون» جزء لا يتجزأ من نسيج الاقتصاد والذي لايمكن الفكاك منه. فعلى سبيل المثال يمثل الوافدون 75% من حجم القوى التي تعمل في البحرين و83% في الكويت و80% في عمان و94% في قطر و56% في السعودية و93% في الإمارات.
ولارتباط الاقتصاد بأسعار البترول ففي الأوقات الصعبة والتي ينخفض فيها سعر البترول تظهر مشكلة تحويلات المهاجرين وضغوطاتها على اقتصاديات الخليج. لقد أصبحت هذه التحويلات تمثل جزءا ليس قليلاً من إجمالي الناتج المحلي الخليجي يتراوح بين 12% في البحرين إلى 6% في عمان والسعودية و4% في الكويت.
واجمالا اذا كان هذا الكم الهائل من الأيدي العاملة المستوردة مقبولاً في مرحلة بناء الدولة وبناء مرافق بنيتها التحتية فأنه يجب إعادة التفكير ملياً في موضوع كيفية إدارة ملف الهجرة الخارجية الآن ليتناسب مع المرحلة الحالية من مرحل التنمية والتي يمكن الاعتماد فيها أكثر على الميكنة والتكنولوجيا الموفرة للعمالة ولكى يعتمد بناء الاقتصاد في هذه المرحلة أكثر على المواطنين والمهاجرين الدائمين.
بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
01/06/2016
3176