+ A
A -
في القطار المتجه من فرنسا إلى إنكلترا، كانت تجلس امرأة فرنسية تبدو عليها علامات التوتر بجوار رجل إنجليزي .
سألها الرجل الإنجليزي: سيدتي، ما شأنك تبدين في غاية التوتر والقلق؟
فقالت له: بصراحة، أحمل معي عشرة آلاف دولار، وهو أكبر من المبلغ المسموح إدخاله إلى إنجلترا!
فقال لها: اقسمي المبلغ بيني وبينك، فإنَّ أحدنا لا شك سيفلتُ من الجمارك، واكتبي لي عنوانك، وأعدك أن أوصلها لكِ .
وثقت المرأة بجارها الإنجليزي في المقعد المجاور، وقسمت بينهما المبلغ، وعند وصول القطار اجتازت المرأة الجمارك دون عناء، عندها صاح الرجل الإنجليزي الذي لم يحن دوره عند الجمارك قائلاً للضابط: سيدي الضابط، هذه المرأة تنقل الأموال إلى إنجلترا، وأعطتني نصف المبلغ وها هو خمسة آلاف دولار، ومعها خمسة أخرى وأنا رجل لا أخون وطني!
فتشوا المرأة وصادروا مالها، وشكر الضابط الرجل الإنجليزي على وطنيته، وتمنى لو أن جميع المواطنين مثله!
بعد يومين قرع باب السيدة الفرنسية، فإذا هو الرجل الإنجليزي الذي وشى بها. قالت له: أنت، ماذا تريد، ألا يكفي ما فعلته في الجمارك؟
عندها أخرج لها مغلفًا وقال: خذيه، يوجد به خمسة عشر ألف دولار، وسامحيني كانت الوشاية بك هي الطريقة الوحيدة لأدخل شنطتي التي فيها مليون دولار إلى البلاد!
هذا الرجل الإنجليزي يوجد منه في بلادنا ملايين النسخ العربية، تراهم ليل نهار يتشدقون بحب الوطن، وهم يسيؤون إليه أكثر مما يسيء إليه أعداء الوطن الخارجيين، وهم على الوطن أخطر من كل أعداء الخارج لأن القلاع الحصينة لا تسقط إلا من الداخل!
الوطن عندهم ليس إلا خزنة للنهب، ومال عام محلل للسلب، وما الخطابات الرنانة، والمقالات الحماسية، والقصائد المدبجة، والمعاريض الموزونة والمقفاة إلا زي عمل!
وتجدهم ليل نهار يوزعون صكوك الوطنية على من شاؤوا، ويحرمون منها ما شاؤوا، كما كانت الكنيسة في القرون الوسطى تبيع الجنة عبر صكوك الغفران!
ليثبت أنه وطني فلا بد أن يصفك بالخائن المتربص بالوطن شرًا فقط، لأن قرار الحكومة لم يعجبك!
من أخبر هذا الوطني المزيف أن الوطن هو الحكومة؟ وأن الشكوى من الضرائب الباهظة تآمر مع الأعداء، والشكوى من البطالة خيانة لله ورسوله، وانتقاد الواقع المزري للمستشفيات فضح للوطن وتشكيك بحكمة أصحاب الفخامة، وانتقاد برنامج التعليم ومناهج التدريس يوازي التشكيك بالمصحف، رغم أن التاريخ والتجربة والواقع يثبتون أن أكثر الناس حبًا لأوطانهم هم أولئك الذين لم يرضوا بالواقع المزري للأوطان، وأنه متى ما جدّ الجدّ، ووقع الفأس في الرأس لم يجد الوطن له غير أبنائه الذين اُتهِموا بعدم حبه، وأن الوطنيين الزائفين أصحاب الخطابات والتطبيل هم أول من يقفر إذا أوشكت السفينة على الغرق، ولولاهم أساسًا ما غرقت!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
20/05/2018
3911