الواقفون على حافات الوطن في دول الطوق ينتظرون لحظة هروب «المارين بين الكلمات العابرة»، الجالسون على أرائك الغربة الفاخرة ينتظرون عودة «عقرب الوقت إلى العجل المقدس» ليرحل من ادعوا زورا أن هذا هو الوطن الوعد، حملة الحجارة المقاومون في قلب النار، في غزة في جبل النار، في القدس، في جبل المكبر، وفي رام الله، في جنين..
هذه السبعون عاما من النكبة التي علمتنا عشق المقاومة ونهتف بأعلى صوتنا لتحيا المقاومة، التي أنجبت لنا الشعراء الذين يحملون في صدورهم ينابيع الفعل، كمال ناصر، غسان كنفاني، محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، عز الدين المناصرة، أمل دنقل، مريد البرغوثي، أحمد دحبور، تميم البرغوثي، وغيرهم الذين أمتعونا وعلمونا كيف نقاوم بالكلمة والحجر شعراء كانوا ضروريين لأنهم أكثر انتباهاً من الآخرين إلى «الظلّ الذي لا ينتهي»، ولأن فلسطين كما يقول الناقد الإسباني بدرو ميغل لاميت، تعد «الجرح المفتوح، في قلب هذا العالم المريض، الذي يسكننا اليوم بآهاته».
سبعون عاما مضت على ذلك اليوم الخامس عشر من شهر مايو، شهر الخيانات والانتهاكات والانتكاسات، وظل السبعين عاما يمتد وما من أحد منا به خجل، وأميركا تعلن أنها تريد ثمن حماية عروشنا، لتواصل صناعة عدو لنا.. بعبع تسلطه علينا لتواصل ابتزازها وتقدم ما نعطيها إلى إسرائيل، لتصور عجلا له خوار من ذهب يعبده من خانوا في الوأد المقدس، وموسى قد خلع نعليه يكلم الله، ليقول قومي قالوا لي «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون».. فالذكرى تمر وفي القلب تحية للمقاومة التي أنجبت لنا نبيلا من نبلاء الشعراء محمود درويش ليخلد حالة هؤلاء العابرين في قصيدة والله لو فهمناها لاحتفلنا بيوم كتابتها لأنها نبوءة.. فيقول سيد الكلام في رائعته:
أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم، وانصرفوا
واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا
أنكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء
تحية للمقاومة التي جعلت شاعر الحب الراحل نزار قباني ثائرا في قصيدته «ثلاثية أطفال الحجارة»، التي يتباهى ببطولات وشموخ أطفال غزة، قائلاً:
بهروا الدنيا
وما في يدهم إلا الحجارة
وأضاؤوا كالقناديل
وجاؤوا كالبشارة
قاوموا
وانفجروا
واستشهدوا
تحية للمقاومة التي أنجبت لنا الشاعر المصري الكبير الراحل أمل دنقل، الذي أوصانا بألا نصالح عدواً قاتلاً،
لا تصالح على الدم.. حتى بدم
لا تصالح ولو قيل رأس برأس
أكل الرؤوس سواء؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تساوى يد.. سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك؟
سبعون عاما كسبت فلسطين حب القلوب الوطنية من أميركا اللاتينية إلى الصين الشعبية إلى روسيا الشيوعية إلى فرنسا الحرية..
لكن وللأسف الانحدار والانكسار العربي الذي نشهده من هرولة لإرضاء سيد الكنيست وسيد البيت الأبيض هو النكبة الحقيقية.. فمن يعيد على أسماع من تخاذلوا روائع القاسم ودرويش ودنقل وزياد وتميم لعلهم يفهمون ألا حل للمغتصب إلا المقاومة وإلا فسيحكم كل عواصمنا وقد بدأ.
كلمة مباحة..
كوني قلعة العاشقين للأوطان سيبذلون أرواحهم فداك..
بقلم : سمير البرغوثي