+ A
A -
عظيم الدهشة أن لا أحد منهم يفكر بالاعتذار الحقيقي، وتقديم جردة عن الأخطاء التي أوصلت ثورة السوريين وسوريا معها إلى ما وصلت إليه، جميعهم، دون استثناء، ينسحبون من المؤسسات السياسية المعارضة بذريعة أن هذه المؤسسات لم تعد تخدم قضية السوريين، دون أن تعرف بما كانت تخدمها قبلا، علما أن جميعهم كانوا على رأس هذه المؤسسات، وتحدثوا باسم الثورة، وباسم الشعب السوري، وقرروا وقبضوا وباعوا واشتروا ورهنوا مواقف الثورة لأجندات لا علاقة لها لا بالثورة ولا بالوطن السوري، جميعهم، دون استثناء، حين انسحابهم، يلقون باللوم على الآخرين، دون أن نعرف أيضا من هم هؤلاء الآخرون، وإن كان ثمة آخرون فعلا، فليسوا سوى شركاء مع المنسحبين أو المستقيلين، شركاء في كل شيء، وأولا شركاء في بيع قضية الشعب السوري وثورته في بازارات السياسة الدولية، وفي بازارات المنافع والمكتسبات الشخصية.
ومن عظيم الدهشة أن المنسحبين مؤخرا من الائتلاف، هم الأكثر خيانة لمبادئ الثورة السورية، هم من شجعوا على التسليح، وطالبوا بالسلاح علنا وسرا، وهم من أيدوا التنظيمات الراديكالية الإسلامية، كجبهة النصرة وغيرها، واعتبروها جزءا رئيسا من ثورة الشعب السوري، في الوقت الذي كان فيه عناصر هذه التنظيمات يشتمون الديمقراطية، ويقولون عن الحرية أنها زندقة، ويعلنون صرلحة أن هدفهم إقامة الخلافة الإسلامية، وكل حديث عن دولة مدنية وديمقراطية في سوريا بالنسبة لهم هو حديث آثم، وخارج عن الشريعة، وقائله زنديق وكافر، هذا غير كل الارتكابات التي قامت بها هذه التنظيمات من سرقات وتعفيش ومحاكمات بالقتل والإخفاء وقطع الرؤوس والرجم، وتعبئة سجون التوبة التي أنشأتها في المناطق التي سيطرت عليها بالسوريين الرافضين لنهج هذه التنظيمات، بما لا يختلف عما يقوم به نظام الأسد،بل يبدو في كثير منه كما لو أنه متمم لما يقوم به النظام، فمن استطاع النجاة من قبضة النظام وقع بقبضة هؤلاء، هؤلاء الذين اعتبرهم المنسحبون من الائتلاف مؤخرا، أنهم جزء مهم من ثورة السوريين، واهبين بذلك الذريعة الأهم للرأي العام العالمي لتاييده نظام الأسد ونفض يده من هذه الثورة، التي يعلن ممثلوها أنها تسعى للخلافة الإسلامية، في الوقت الذي تزداد فيه حالة الإسلاموفوبيا انتشارا بين العالم، بسبب العمليات الإرهابية التي يقوم بها أعضاء هذه التنظيمات حول العالم، وربطهم هذه العمليات بما يحدث في سوريا، دون أن يصدر عن ممثلي الثورة السورية بيانات رفض لهذه العمليات.
ومن عظيم الدهشة أيضا أن هؤلاء المنسحبين والمستقيلين، كان في طليعة المؤيدين لتدخل العسكري التركي في عفرين وقراها، مجندين لذلك فئة من السوريين ترى في الأكراد مجرد (ملاحدة وكفرة)، وقتالهم وطردهم من قراهم وبيوتهم هو عين الجهاد الذي قامت من أجله الثورة، دون أن يرف جفن لهؤلاء المنسحبين وهم يساهمون في تدمير بنية المجتمع السوري جنبا إلى جنب النظام، دون أن يفكروا ولو لبرهة بما يمكن أن يجره من ويلات مجتمعية على السوريين في المستقبل القادم .
من عظيم الدهشة أيضا أن هؤلاء أعلنوا انسحابهم بالتزامن مع أخبار عن تكتل سياسي جديد، لا أحد يعرف على وجه الدقة من من الدول اللاعبة في الشأن السوري سوف ترعاه، إذ أن خبرة هؤلاء في التدمير يجب أن تكون في الحفظ والصون حتما، ولا يجوز تجاهلها لدى تشكيل أي تكتل (سوري) سياسي جديد. بحيث لا يستغرب أحد إن كان هذا التكتل مشكلا منهم ومن أركان من النظام،فما فعلوه حتى الآن لا يزيح عن خطط النظام في تدمير المجتمع السوري قيد أنملة.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
01/05/2018
2929