+ A
A -
زرت أخيرا المكتبة العامة في نيويورك والتي مر على افتتاحها أكثر من قرن، وهي مكتبة ضخمة بكل المقاييس. المكتبة المفتوحة للقراء ويتوفر فيها أماكن خاصة للباحثين مفتوحة أيضا للسياح الذين يدخلونها يوميا بالآلاف من دون مقابل. المثير في كل هذا هو أن السياح الذين يدخلون القاعات والغرف المخصصة للقراءة والاطلاع بالعشرات في آن واحد لمعاينة موجوداتها من الكتب واللوحات التشكيلية المعلقة على الجدران لا يتسببون في إزعاج القراء المنهمكين في القراءة، فلا تسمع منهم حتى الهمس، وهو أمر للأسف الشديد لا يتوفر في مكتباتنا العامة إلا قليلا.
أمر آخر مثير أيضا هو أنه في مقابل «أمة اقرأ» التي للأسف لا تقرأ والتي إن قررت القراءة قرأت غير المفيد، يتوفر في هذه المكتبة مبنى خاص يتضمن قاعة كبيرة للباحثين وغرفا للقراءة خاصة بالدراسات اليهودية. بعض الطاولات فيها، وضع عليها لافتات مكتوب عليها إنها محجوزة للباحثين الذين تكلفهم إدارة المكتبة بإعداد بحوث ودراسات متخصصة (وهذا يكون بمقابل طبعا)، والأخرى المخصصة للقراءة يقرأ فيها من يختارها الكتب اليهودية وخصوصا تلك التي يتم الإعلان عنها بنشر صور لأغلفتها على لوحات تملأ المكان كونها جديدة.
المكتبة تحتوي على ملايين العناوين وآلاف المخطوطات واللوحات والأفلام وصورا لمرحلة التأسيس والبناء والتي تظهر كيف تمت الاستعانة حتى بالخيول والعربات لنقل الحجارة وغيرها من مواد البناء، بينما تمتلئ جدران كثيرة فيها بمعلومات تحكي قصة بناء المكتبة منذ أن كانت فكرة والأشخاص ذوي العلاقة، مدعمة بالصور.
لكن احترام الأماكن المخصصة للكتب والقراءة في الولايات المتحدة لا يقتصر على هذه المكتبة فقط أو المكتبات العامة وحدها ولكنه يشمل كل مكتبة وكل مكان يباع فيه الكتاب أو أنه مخصص للقراءة، كما أن ضخامة المكتبات التجارية والأعداد الهائلة من عناوين الكتب التي تحتويها تشجع الكثيرين على الشراء. في إحداها لاحظت إقبالا غير عادي على اقتناء الكتب، يساعد على ذلك ذكاء التاجر الذي صار يعرف كيف يغري الزبائن. من ذلك على سبيل المثال أن المكتبة تحتوي على مقهى يتوفر فيه إلى جانب المشروبات الساخنة والباردة أنواع من الكعك والسندويتشات، وطاولات تتيح لكل من يجلس عليها القراءة من أي كتاب يختاره أو أي مجلة يختارها، وكلها جديدة، وليس عليه إن قرر عدم شرائها سوى إعادتها إلى أماكنها، كما يوجد في أقسام أخرى من المكتبة كراسي مخصصة لمن يريد القراءة، حيث بإمكان كل شخص أن يتناول أي كتاب ويقضي ما يشاء من وقت لقراءته من دون أن يكون ملزما بشرائه (بعض من لا يستطيعون شراء الكتب يتواجدون فقط للقراءة، وبعضهم يستفيد من عروض التخفيضات التي يعلن عنها دائما حيث تباع الكتب التي يراد التخلص منها كي تحل الإصدارات الجديدة محلها بأسعار زهيدة).
زيارة المكتبات العامة والتجارية في نيويورك أو أي ولاية أميركية أو بلد أوروبي تؤلم كل عربي يعرف حال المكتبات والقراء في بلداننا.

بقلم : فريد أحمد حسن
copy short url   نسخ
31/05/2016
2905