+ A
A -
مأساة مخيم اليرموك، ليست مُغايرة أو معزولة عن الحالة العامة في مسارات الأزمةِ السوريةِ، لكنها في سَفر الحالة الوطنية الفلسطينية تأخذ أبعاداً دراماتيكية، أكثر قسوة، وأشد مرارة عن غيرها مما وقع في مناطق مختلفة من سوريا. فمخيم اليرموك في نهاية المطاف ليس سوى تجمع لاجئ على أرض سوريا العربية، مازال مواطنوه وسكانه من لاجئي فلسطين يحملون في أفئدتهم، ووعيهم الجمعي، حلمهم المشروع بالعودة إلى أرض وطنهم فلسطين، إلى حيفا ويافا وعكا وصفد.... ففي عُرفِهم أنَّ الإقامة وإن طالت في مخيم اليرموك وعموم بلدان اللجوء والشتات، تبقى إقامة مؤقتة، بانتظار تحقيق الوعد الفلسطيني.
نكبة مخيم اليرموك، ونكبة فلسطينيي سوريا عموماً، كانت الأقسى والأمَرّ منذ نكبة الوطن الفلسطيني في العام 1948، والتي تقترب الآن من ذكراها السبعين. فمسيرة العُمرِ وشقاء العمل، وحصاد سنوات التعتير والكد، تَبَخَّرَ وتلاشى، ولم يَعُد من طريق أمام الأعداد المُتزايدة من لاجئي فلسطين في سوريا سوى التفكير بالهجرة إلى أصقاعِ المعمورةِ الأربعة، وبعيداً عن البلدان العربية التي لا تعترف أصلاً بـ «وثيقة السفر» التي يحملونها، وكل ذلك بعد أن ضاقت بهم أرض العروبةِ على اتساعها. حيث تجرى عملية شيطنة الفلسطيني، خاصة حملة الوثائق، ويرافقها صناعة تيار مُبغض للفلسطينيين بهدف التضييق عليهم ومحاصرتهم معنوياً ونفسياً على غرار محاصرتهم مادياً في مربعات غزة والضفة الغربية.
إن فلسطينيي سوريا، ومنهم كاتب هذه السطور، وفوق التهجير والرحيل القسري لأعدادٍ واسعةٍ منهم يعانون الأمريّن. فالحرب، أي حرب، ومهما كانت أسبابها ومُسبباتها، تُنتج كوارث إنسانية تدفَع الناس المنكوبين إلى الهروب من الموت والرحيل إلى المجهول، وبالأمس نزح ملايين من الشعب العراقي خارج بلاده جراء الغزو الأميركي لبلادهم، وفي عام 2006 نزح مئات الآلاف من اللبنانيين جراء عدوان «إسرائيل» عليهم، واليوم هناك سوريون غادروا بلادهم هرباً من أهوال الأزمة المُستعرة، وفي كل الحروب هناك لاجئون ومهجّرون وضحايا وكوارث إنسانية.. لكن الفارق بينهم، بين كل اللاجئين والنازحين، وبين الفلسطينيين، أن الشعب الفلسطيني طُرِدَ من أرضه طرداً واقتلاعاً وترحيلاً قسرياً في ظل اختلالات دولية في حينها، بينما الآخرون لم يفقدوا أوطانهم، حيث إن رحلتهم إلى التيه ستبقى قصيرة وإن طالت قليلاً... أما رحلة التيه الفلسطينية فمستمرة نكبة تلو نكبة، وهنا يَكمُنُ عُمق المأساة.
الكتلة الأكبر ممن غادر سوريا من فلسطينييها هم من جيل الشباب، ومن أصحاب الكفاءات العلمية وخريجي الجامعات والمهنيين، الذين باتوا في تغريبة جديدة في بلدان المُغتربات والمهاجر البعيدة والممتدة من الدول الإسكندنافية إلى أستراليا ونيوزلندا وما بينهما حتى إلى ماليزيا وجزر المالديف وروسيا، وإلى أكثر من ثلاثين دولة عبر العالم التي وصلوا إليها بسبب نيران الأزمة السورية التي أصابتهم في الصميم، في هجرة متتالية كل يوم دون جرس إنذار. فالمئات بل عشرات الآلاف من فلسطينيي سوريا تمكنوا من دخول العديد من دول أوروبا الغربية على شكل دفعات أو موجات لم تكن جميعها على شكل هجرة مفتوحة لكل من يريد، بل تمت بغالبيتها على متن سفن الموت باتجاه إيطاليا واليونان ومالطا وغيرها، ومن مرسين في تركيا. وقد وقعت حوادث خلال تلك الهجرات على متن تلك السفن، وأودت بحياة المئات من فلسطينيي سوريا، فبعض من غادر منهم ساحات القتل والموت في مخيم اليرموك وجد نفسه على الساحل الإفريقي من الإسكندرية وغيرها باتجاه سواحل إيطاليا ليموت هناك مع ارتطام وغرق بعض من تلك السفن.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
27/04/2018
1742