+ A
A -
لبنان ذو نظام ديمقراطي تعددي لا شبيه له ولا مثيل في هذا الكون. لم يحفظ هذا النظام العدالة الاجتماعية المأمولة، لم ينفذ الإصلاح المطلوب للتوصل إلى تقاسم متوازن للسلطة، لم يخلص شعوبه من مرض الطائفية لابل غذاها وامعن في نشرها، فاوصل البلاد إلى كل انواع الافلاس (باعتراف زعمائه).
كان يمكن للانتخابات النيابية في 6 ايار المقبل ان تشكل فرصة، ليس للحل المثالي المأمول، لكن على الأقل لكي يتسنى للشعب اللبناني ان يحدث تغييراً في الطبقة السياسية، التي أوصلت البلد إلى التفكك والانهيار خلال الثلاثين سنة الماضية. لكن ومع اقتراب موعد الاستحقاق، امتلأت الشوارع بالضجيج الخاوي من أي معنى كاشفا عن اندثار الحياة السياسية في لبنان لا بل موتها غير المعلن.
قوى السلطة تسخر الدولة لها، وفي تصرفها مالاً ليس منها واعلاماً يتدفق تأييدا وخبثاً، وأحلافاً عابرة للحدود، وأعداداً من المؤيدين يسيرون خلفها خذو الجبهة بالجبهة. انها قوى عاتية. تذهب إلى الانتخابات مطمئنة. همها زيادة حصتها. التخمة لا تشبعها. كل خلاف بين الطوائف يقوي الطوائف. في اتفاقهم يربحون وفي خلافهم يربحون ايضا. الطائفية قيمة زائدة لا تنضب. من دونها لا تصمد سلطة.
في المقابل المعارضة تحوّلت معارضات لا تعد ولا تحصى. تفككت ذاتياً بسبب ضيق افق اصحابها وغياب التقاليد السياسية الديمقراطية التي تسمح بعمل سياسي جدّي ومؤطر. فلا أحزاب سياسية ولا نقابات فعلية ومجتمع مدني لا يعرف أهدافه ولا ما يجمعه أو يفرقه. اضف إلى ذلك ان السلطة لغّمت المعارضة بمعارضات وهمية تزايد على المطالب المحقة وتميّعها. والهدف تقسيم المقسم وقطع الطريق على إنجاح أي معارض حقيقي. والجميع يحارب الفساد وندرة بينهم تربط بين الفساد وفقدان السيادة.من الصعب جدا على هكذا معارضة أن تصير بقامة التحدي. والاصعب ان تكون البديل.
وكيف يمكن لبديل ان يتكون في ظل قانون انتخابي لقيط هبط فجأة بقدرة قادر بعد سنوات من التخبط وعدم التوافق بين اركان السلطة المستقرة على توازنات مصلحية سياسية ومالية؟ انه قانون هجين ابتدع النسبية المذهبية، بعدما قطّع أوصال الدوائر وأعاد لصقها من دون منطق أو معيار سوى مصلحة البعض للوصول إلى المجلس وحفظ البعض الآخر لحصصهم ومقاعدهم. اما الصوت التفضيلي فلقد قسم اللائحة نفسها وجعل الكتلة توزع اصواتها على لوائح متعارضة مختلفة! وأجبر الناخب على اختيار مرشحه المفضل وخصمه في الوقت نفسه؟ هذا القانون ألغى وظيفة النائب المشرع وعزز مكانة النائب المشتري لمقعده بفضل القانون الذي قونن شراء الأصوات.
في هذه الانتخابات لا قواعد ولا قيود ولا اجندات ولا أهداف موحدة، مجرد عمليات حسابية، بهدف الحصول على مقعد هنا أو هناك. وهكذا صارت العملية الانتخابية بورصة أو صالة مزاد لشراء الاصوات أو تبادلها! هذه انتخابات لن تصحح التمثيل العام الأعوج، انها مشهد مسرحي يختلط فيه فيها الحابل بالنابل في عمليات حسابية بليدة لا علاقة لها بالسياسة أو المسؤولية.

بقلم:امين قمورية
copy short url   نسخ
13/04/2018
2042