+ A
A -
ترى أين انت الآن يا صديقي، بخيالك ذلك الشرود، تنز عرقا عبقريا، وانت - كعادتك المدهشة، تراود الكتابة، أو تراودك هي عن نفسها.. سيان!
لعرق أصحاب الخيال رائحة، ولا أطيب، تدغدع مناطق الشم في اولئك الذين، يصادقون الخيال، بطريقة أخرى، إذ هم يكتبون الكاتب نفسه، أصابعهم من وراء أصابعه، تنقر على اللوحة العجيبة، أجمل ما انتجه خيالنا.
الكاتب الذي لا يشرك، قارئه في ما يكتب، هو كاتب سلطوي.. دكتاتور.. مجرد طاغية.. والقارئ، الذي لا يشارك الكاتب لحظة الفعل الخلاق- بأثر رجعي- هو من يقلب المقولة الشهيرة «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان» رأسا على عقب!
الكتابة.. الكتابة، ديمقراطية، وصديقي الذي استهللت هذه الزاوية بالسؤال عن مكانه- حجي جابر، كاتب ديمقراطي، بشكل غريب.. إنه من نوعية الكتاب الذين لا يطيب لهم خيال، إلا إذا ما أشركوا قراءهم في عبقرية الكتابة.. إلا إذا ما أشركهم في نعمة التحليق العبقري، وراء خياله الشرود
لولا ان بعض الظن، ايمان، ما كنت قد ظننتُ نفسي، بأنني أكتب حجي جابر، في تمام اللحظة الذي يكتبني فيها هو: ذهنا متفتقا، وروحا عبقريا، ووجدانا يكاد يصفق فيه الفؤاد متعة، ويكاد من فرطها يطيرُ.
مثلي إزاء هذا الكاتب الفذ الذي حين يكتبُ- بكل الدهدشة التي تشكل كل خلية فيه- يكتبكم أنتم، وإلى الدرجة التي تكاد فيها أفئدتكم تطيرُ.. وللفرحة جناحان، وهمة كل أشكال النسور!
حجي جابر، نسر من خيال، وهو لو لم يكن كذلك، ما استهللت زاويتي هذه، بالسؤال عن مكانه، وأنا- مثلكلم أتساءل، عن أي علوي من الأعالي العبقرية، هو شارد بخياله الآن!
أنا مثلي مثلكم، أتطلع- إذ أسأل حجي، إلى رواية عظيمة أخرى- رابعة وخامسة- من رواياته العظيمة، تلك التي فيها روح من روح مرسى قاطمة، وفيها ما فيها من كل فتنة سمراويت.
أذكر أنني كتبتُ عن حجي، في تمام اللحظة التي كتبني فيها- أولى وأخرى- في «سمراويت».. وكتبته فيها.. أذكر انني كتبتُ: أن حجي صار غريما في حبي لاريتريا، وحبي لسمراويت.
لم ألتقه لحظة، أن صافحت عيناه الذكيتان، تلك الجملة، لكني الآن أقسم انهما التمعتا أكثر، وصارتا اكثر ذكاء، وانهما تصدقتا- كعهدما دائما- على أقرب جليس، بابتسامة!
بالمناسبة، الخيال الشرود وراء كل تلكم الابتسامة، في عيون الكتاب العباقرة. رأيتها تلك في عيني الطيب صالح، حتى وهو على وشك الرحيل الأخير، ولو كنتُ قد تشرفتُ برؤية ماركيز، ونجيب محفوظ، وشاعر مريم شوقي بذيع، والتجاني يوسف بشير، وغيرهم من أصحاب الخيال الخيال، لكنتُ قد رأيتها، وبادلتها ببسمة امتنان، من بعد بسمة امتنان!
أنا ممتن- يا صديقى حجي، إلى تلك اللحظة الكونية، التي التقيتك فيها، في أحد فنادق اسمرا، والمطر يوسوس لأجنحة الفراشات، والغبطة- غبطة المطر والفراشات- تحكيها نوافذ ذلك الفندق الانيق.. وتحكيها الأزاهير والورود.
تلك كانت اكتشاف، حجى الحديقة!
تلك كانت لحظة اكتشاف حجي، ان له وطنا، بكل ذلك الجمال.
«والذي نفسه بغير جمال.. لا يرى في الوجود شيئا جميلا»
تلك هي الجملة التي فوتت على نعمة الاكتشاف المذهل، أن أقولها لجليسي، ذلك الذي كان يشرد بخياله في عالم، هو عالم اريتريا.. عالم سمراويت.. هذا ما قالته لي سرا عيناه اللامعتان، والمطر يوسوس، والفراشات، والأزاهير.. وفي مكان ما من اريتريا، كانت «سمراويت» في انتظار لحظة الميلاد العجيب.
وكانت الصرخة، التي اهتزت لها اركان الأبجدية!
حجي امتلك لغته، وكانت سلسبيلا..
الكاتب الحق، لغته من أنفاسه الطالعة والنازلة.. وللنفسين بصمة، لا تشبه بصمة نفسين لكاتب آخر.. وحجي امتلك بصمته في عالم الرواية.
حجي- فيما أظن يتنفس الآن، والخيال شرود!
لم يبق إلا ان أقول لكم، اقبضوا انفاسكم، وأنتم- مثل كل مرة يكتبكم فيها حجي- تكتبونه!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
09/04/2018
2789