+ A
A -
الرئيس دونالد ترامب في الفترة القصيرة لتوليه الحكم اثبت قدرة عالية ليس على الإدارة والحكم بل على كسر ألأعراف والمسلمات الديبلوماسية في تعامله مع عالم يعتبره غير آمن وفي حالة فوضى. هو لم يأت ليكمل بل لينقض، لم يأت ليبني على ما أسسه أسلافه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من أحلاف وعلاقات وصداقات والتزامات، بل لتقويض ما يستطيع تقويضه وربما تعديل ما يمكن أن يبقى ولإقامة علاقات وأحلاف مختلفة. انه، على عكس أسلافه لا يرى أن هناك صداقات وأحلافاً دائمة مبنية ليس فقط على مصالح مشتركة بل قيم مشتركة، ومفهومه القديم-الجديد «أميركا أولا» مبني على انعزالية نسبية تسعى لصفقات ثنائية تضمن مصالح أميركا الاقتصادية الآنية، ومن دون الاعتماد على علاقات بنيوية متشعبة تضع المصالح الاقتصادية في سياق سياسة متكاملة مبنية على أسس سياسية- قيمية- ثقافية ثابتة. بهذا المعنى يمكن اعتبار ظاهرة ترامب، ظاهرة انقلابية بامتياز لم تشهد مثلها الولايات المتحدة في تاريخها. يضاف إلى ذلك، نرجسية صارخة لهذا الرجل، وأسلوب في التعامل مع الناس يتراوح بين المباشرة والفظاظة، وتكتيك تفاوضي مبني على صدم الطرف الآخر بطروحات أولية طموحة ومبالغ فيها.
بموجب انقلابه الاخير حول ترامب حكومته إلى «غرفة عمليات حربية»، بتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي بدلاً من الجنرال إتش آر ماكماستر، في خطوة جاءت بعد الإطاحة بأحد «صمامات الأمان» في الإدارة الأميركية، وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي حلّ محله رئيس وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو «الصقر»، والسؤال المطروح الآن إلى متى سيصمد وزير الدفاع جيمس ماتيس، المعوّل عليه لفرملة البيت الأبيض.
هكذا إجراءات هي في نظر البعض «وصفة حرب مع كوريا الشمالية أو إيران. الاتفاق النووي الإيراني لن يصمد فيما يبدو بعد 12 ايار وهو موعد المرة التالية التي يتعين على ترامب أن ينهي فيها التخلي عن فرض عقوبات صارمة على إيران، ويجعل أميركا تنسحب من الاتفاق. بات واضحا انه سينسحب من الاتفاق بعدما اعد المسرح لمثل هذا القرار. وفي الشهر نفسه، من المقرر انعقاد القمة الأميركية الكورية التي يمكن أن تصبح مهددة، أو أن تنعقد لتفشل، وليكون الفشل تاليا مدخلاً لتصعيد لاحق. في هذه القمة سيقدم الجانب الأميركي مطلبين لن يقبلهما كيم جونغ أون: التخلي عن برنامج الأسلحة النووية، ونزع السلاح االتقليدي، وهو ما سيؤدي إلى ارفضاض اللقاء على زغل، وعندئذ سيقول الصقور الجدد في الإدارة: كما رأيتم، لقد حاولنا، والآن ليس هناك بديل إلا القصف.
ولان الهدف الأول لهؤلاء الصقور هو طهران وليس بيونغ يانغ، فان انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران وتوسيع العقوبات عليها، سيطلق سلسلة من ردود الفعل الخطيرة في الشرق الأوسط ويوسع الأزمة السورية إلى حرب إقليمية لا يمكن احتواؤها. لتصير بعد ذلك كل السيناريوات «الصدامية» مفتوحة.
ما يدعي ترامب أنَّه كان ضعف إرادة من جانب سلفه الرئيس أوباما وتردياً في مهاراته التفاوضية، كان في الواقع قدرة ذكية على التوفيق بين وسائل الولايات المتحدة ومصالحها، وتجنُّب استدراجها إلى حربٍ لا يمكن الانتصار فيها. هذا لم تفهمه قط الإدارة الجديدة في واشنطن، التي لا تزال عالقة في حقبة ما قبل 2003، حين كانت الولايات المتحدة في أوجّها، في سنوات ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فكيف وهي في قبضة سياسيين متشددين مثل بولتون وبومبيو، ليس لديهما أدنى فكرة عن حقول الألغام السياسية والعسكرية، التي يوشكان أن يزلَّا فيها. وبسياسات متهورة كهذه ينبغي أن يقلق، ليس فقط أعداء الولايات المتحدة بل وأصدقاءها أيضا، لان من الصعب تجنُّب الشعور بأنَّ كل هذا سينتهي بكارثة.

بقلم: أمين قمورية
copy short url   نسخ
06/04/2018
2264