+ A
A -
يروي أحد الأصدقاء في ألمانيا، أن شابا سوريا كان يجري في إحدى محطات الميترو في برلين، وهو يصرخ بصوت عال وجارح: «عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد»، ويقول كلاما آخر مشتتا وغير مفهوم، الشاب قبل ساعات كان قد عرف بوفاة والده تحت القصف في الغوطة الشرقية، انتشرت أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي قصة الشابة السورية (خلود) التي شاهدت صورة والدتها جثة مدماة ملقاة في الشارع، في واحدة من أكثر صور الغوطة مأساوية، كلمات (خلود) حين رأت صورة والدتها على صفحة سورية عامة: لك هي أمي احذفوا الصورة الله يخليكن هي صورة أمي، تناقلتها الصفحات والمواقع السورية وغير السورية، كشاهد على عمق مأساتنا نحن السوريين أينما كنا، قصص كثيرة أخرى، منها ما تم تناقله ومنها لم يعرف بها إلا أصحابها، حدثت للسوريين منذ سبع سنوات وحتى الآن، في سوريا وفي خارجها، في كل دقيقة ثمة مأساة سورية تحصل، تخلف وراءها القهر والألم والحزن الطويل. أن تعيش كسوري فأنت معرض كل لحظة لأن تكون في عين المأساة.
لم يبق بيت في سوريا، ولا عائلة، ولا قرية، ولا بلدة، ولا مدينة، إلا وأصابتها النكبة، مهما كانت الولاءات والانتماءات، الحرب أصابت الجميع، أينما كانوا، ثمة من دفع أثمانا أكثر بكثير من غيره، لكن الأمر أنه لم ينج أحد، الخراب كان عاما وشاملا، وحدهم تجار الحرب والموت، كحالهم في كل مأساة تاريخية مشابهة، خرجوا رابحين. أما سوريا وباقي السوريين فيلزمهم سنوات طويلة، وربما أجيال جديدة، كي يتمكنوا من استعادة توازنهم النفسي، يلزم لسوريا ولناسها ذاكرة خالية من الحرب والموت والحقد والكراهية ورغبة الانتقام العادلة، كي يتمكن السوريون مجددا من إيجاد رابط وطني يجمع فيما بينهم، هذا طبعا إن لم يتم الاتفاق على التقسيم الفعلي والرسمي لسوريا، رغم أن عمليات التهجير الحاصلة على مرأى ومسمع العالم، تشي بخطوات حثيثة للتغيير الديموغرافي في سوريا، وهي مأساة أخرى مضافة للمآسي الحاصلة، وتنذر بمستقبل غامض ولا يشبه لا سوريا ولا تاريخها.
والحال، إن ذاكرتنا الحالية، نحن السوريين، الذاكرة الممتلئة بتفاصيل الخراب والموت والدمار والتشرد، حولتنا إلى أشخاص معطوبين على المستويين الجسدي والنفسي، إذ كثر ظهور الأمراض المستعصية بين السوريين في السنوات الأخيرة وأصبح أقرب بالظاهرة، كثر الموت المفاجئ بين الشباب في مقتبل أعمارهم، تعددت حالات الانتحار المكتملة، أو تلك التي بقيت كمحاولات فاشلة، تمتلئ المراكز النفسية في المدن الأوروبية بالسوريين الخاضعين لعلاج نفسي، سواء من ذهب منهم للعلاج والاستشارة بمفرده، أو من حولته المنظمات المختصة بشؤون اللاجئين للعلاج، تكثر حالات العنف بين الأطفال الهاربين من القصف والتدمير،

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
03/04/2018
2550