+ A
A -
- 1 -
ظنَّ البعضُ أن العلاقات السودانية القطرية قد أصابها الفتور والبرود والوهن، ولم تعد حيوية واستراتيجية، كما كانت خلال الحقب الماضية. ربما ظن آخرون أن قطر، كانت تنتظر من السودان، وهي تحت الحصار، موقفاً أفضلَ من الموقف الذي التزمت به حكومة الرئيس عمر البشير، وهو الحياد الإيجابي، والسعي لإصلاح ذات البَيْن بين الفرقاء في دول الخليج.
الحقيقةُ السَّاطعةُ التي لا تقبل الجدال أن العلاقات بين البلدين، تتجاوز كُلَّ هذه الظنون والشكوك، فهي علاقات راسخة وقويَّة يزيدها الزمان قوة والتحديات تزيدها متانة وعزماً، والمصالح المشتركة حماية من الاختراق.

- 2 -

السودان في كُلِّ الخلافات العربية التاريخية والمُعاصرة، ظلَّ يختار لنفسه موقفَ وسيط الخير، والمشَّاء بمُبادرات الصلح والتوافق.
في ستينيات القرن الماضي، كان للخرطوم الدور المحوري في المصالحة التاريخية بين الملك فيصل وجمال عبد الناصر، في قمَّة اللاءات الثلاث بمُقرن النيلين.
الحدَثُ الأخير الذي تمَّ بالتوقيع على اتفاقية تأهيل ميناء سواكن، وتحديثه حتى يُصبح الأكبر في إفريقيا، بميزانية قُدِّرَ لها أربعة مليارات دولار، فيه دحضٌ لتلك الظنون، ودلَّلَ على أن العلاقة ما تزال في قُوَّتها واستراتيجيَّتها.

- 3 -

السودانيُّون بمُختلف أطيافهم السياسية والاجتماعية، لهم محبَّةٌ وتقديرٌ لقطر، حكومةً وشعباً، وارتباطاتٌ عميقةٌ لا تُوهن عظمها ولا تُفتِرُ عزمها التَّجاذبات والصِّراعات الإقليمية.
قطر يدُها ممدودةٌ بالخير على الجميع، وهي من أكثر الدول التي تُولي اهتماماً كبيراً بتوطيد علاقتها بأشقائها، في العالمَيْن العربي والإسلامي.
لقطر نصيبٌ وافرٌ من العطاء، قدَّمته لكثيرٍ من الدول العربية والإسلامية، وحينما تفعل ذلك لا على سبيل المنِّ والأذى، بل هو طبعٌ أصيلٌ في تكوينها الثقافي والاجتماعي وموروثها القيمي.
فهي دولة ليست لها نوايا توسُّعية، ولا نوازع استبدادية، ولا استعلائية، فهي تتعامل مع الآخرين بكُلِّ احترامٍ وتواضع.

- 4 -

مشروعُ تحديث وتطوير ميناء سواكن، من العلامات البارزة في سجلِّ علاقة الخرطوم والدوحة.
من خلال الميناء ستعبر البضائع والسلع إلى دُول الغرب الإفريقي، التي ليسَتْ لها منافذ بحرية.
وفي ذلك جدوى كُبرى، ونفعٌ عظيمٌ لتلك الدول ولقطر والسودان معاً.
منطقة البحر الأحمر، أصبحت ذات جاذبيَّة وحساسيَّة عالية لدى جميع الأطراف، وتحظى باهتمام إقليمي كبير.
قبل أيَّام أنهت دولتا جيبوتي والصومال، عقودهما مع شركة موانئ دبي، في خطوة مُفاجِئة بُنِيَتْ عليها كثيرٌ من التحليلات.

- 5 -

كانت إجابة وزير النقل السوداني المهندس مكاوي محمد عوض، عن سؤال احتمال وقوع تقاطعاتٍ عربيةٍ في التعامل مع ملفِّ سواكن، مُباشِرةً بلا مساحيق تجميل: نحن نبحثُ عن مصالحنا فقط، المصلحة هي التي تُحدِّدُ خياراتنا، هذه الموانئ ثروةٌ يجب الاستفادة منها، هذه هي القاعدة التي تحكُم العلاقات والتَّعاملات.
الوزير القطري، جاسم بن سيف السليطي، كذلك قدَّرَ حساسيَّة السؤال وأجاب: إن المشروع اقتصاديٌّ بحت، ولا علاقة له بأيِّ أنشطة أُخرى عسكرية أو غيرها.

- 6 -

مشروع تحديث ميناء سواكن، تحكُمه مصالح الأطراف المُتعدِّدة، التي تستفيد من وجوده في دعم اقتصاديَّاتها.
من أجل الميناء الجديد تم التعميق ليصل إلى 14 متراً، وسيزيد إلى 18 متراً، ليكون الميناء جاهزاً لاستقبال أكبر وأضخم السفن من حمولة مائة ألف طن.
السودان يتعامل مع هذه المشروعات بمنطق الفائدة المُترتِّبة عليها وهو يحتفظ بموقف مستقل بعيدا عن الاستقطاب والتجاذب.
منطق الاستقلالية والتوازن، يمتدُّ بين الاقتصاد والسياسة والأمن. السودان مع السعودية في حرب اليمن ضدَّ الحوثيين، ولكن ليس ضد قطر ولا مع فرض حصار عليها.
السودان في مصر، يقف مع السيسي واستقرار حكمه، ولكن دون تنازلٍ عن حلايب، أو تقديم تنازلاتٍ في ملف سدِّ النهضة.
السودان في سوريا مع الموقف العربي العام، لكنَّه ضد إسقاط بشار الأسد، وإقصائه من المعادلة السياسية.
السودان في ليبيا مع حكومة طرابلس، ولا يعمل ضدَّ حفتر.

-أخيراً-

مشروع تحديث ميناء سواكن قائمٌ على المصلحة لا غير، بعيداً عن أيِّ أجندة أُخرى.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
01/04/2018
2400