+ A
A -
منذ أن استقر علم السياسة مع بدايات القرن الواحد والعشرين، على أنه سيكون قرن التكتلات الإقليمية المتجانسة اقتصاديا ثم استراتيجيا، فقد بدا وكأن في العالم العربي حالة من بناء حائط صد، يمنع من أن يصنع لنفسه مفتاح الدخول إلى القرن الجديد، بديلا عن مفتاح قرن سبق أن علاه الصدأ، وصار معطلا لا يفتح بابا ولا يصد خطرا.
الآن، تحيط بمنطقتنا قلاع متنوعة الدول والأهداف، تعد حلقات في خطط قديمة لطمس الهوية العربة لدول يفترض منطقيا وتاريخيا أنها تملك إمكانات خلق تكتل قومي واستراتيجي، في وقت تتلاحق فيه مخططات الطامعين لتشكيل وضع إقليمي مختلف، يخدم أهدافهم ومصالحهم وأطماعهم. وكانت قد بدأت منذ حوالي خمس عشرة سنة هجمة منظمة من شخصيات مسؤولة في دول غربية، فضلا عن بحوث موجهة لدارسين وباحثين، تشكك في جدوى النظام الإقليمي العربي، كما تعبر عنه جامعة الدول العربية، باعتبارها من زاوية نظر طموحاتهم، تجسد الهوية لتكامل إقليمي.
ووصل الأمر على أن إسرائيل دعت – على لسان شمعون بيريز – لضم إسرائيل إلى عضوية الجامعة العربية، في اقتراح بالغ السخف فكيف لها أن تكون عضوا، وهي تمارس أعتى صنوف الاحتلال لأجزاء من الأراضي العربية في فلسطين والجولان السورية، وتتبع سياسات تهدد الأمن القومي العربي، ثم تريد أن تتسلل إلى قلب العالم العربي من الباب الأمامي، وليكون تحت نظرها كل ما يتعلق بالأمن القومي للعرب وسلامتهم.
ولم تتوقف محاولات طمس الهوية عبر مساعي تفتيت دول المنطقة، وإثارة الصراعات الطائفية والمذهبية داخل مجتمعاتها – بتخطيط متعدد الدول وأجهزة المخابرات – ودفع قطاعات من شعوبها، تكون تاريخيا جزءا طبيعيا من تركيبة الدولة الوطنية، لكي تنسلخ عن وعائها القومي، في تجزئة للهوية بين عرب وغير عرب، وهو ما شهدناه تحديدا في سوريا والعراق.
لم تكن إسرائيل بعيدة عما يجرى، ففي وثائقها الرسمية، ومنها المسماة «استراتيجية إسرائيل للثمانينات»، إقرار صريح بأن تفتيت الدول العربية إلى دويلات عرقية يمثل جزءا أساسيا من هذه الاستراتيجية، ويحقق لها هدفا لم يخفيه كتاب إسرائيليون، وهو حلم التوسع من النيل إلى الفرات، لقيام ما أسموه دولة إمبريالية، تكون بمثابة القوة الكبرى في هذه المنطقة من الشرق الأوسط. في هذا الإطار، لم يكن قرار الرئيس الأميركي ترامب بالتنازل عن القدس لإسرائيل – وهو ليس مالكا لها حتى يتنازل عنها – ثم قرار حزب الليكود الحاكم بالمطالبة بضم الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، وكذلك ما صرح به حاييم كاتس أحد قادة الليكود الحاكم أن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، وأنها ستبقى تحت سيادتها إلى أبد الآبدين، كل ذلك ليس مقطوع الصلة بأطماع إسرائيل بأن تكون فلسطين بعد السطو عليها، نقطة انطلاقها لمزيد من سياسات التجزئة والتفتيت وطمس الهوية العربية حسبما تتوهم، إن لم يكن ذلك بوضع اليد، فعلى الأقل بتغذية نزعات الانقسام داخل الدول العربية، من خلال انشغال العرب بصراعات داخلية، بما يحول دون أي صحوة عربية، تدفع إلى إدراك حقيقة التكامل الإقليمي باعتباره مفتاح التقدم والأمان في هذا العصر.
وبذلك تكتمل خطط الطامعين من قوى كبرى أجنبية، ودول إقليمية لم تعد تخفي طموحاتها، مثل إيران وتركيا وإسرائيل، في السطو على العالم العربي، واقتحام ساحة فراغه الاستراتيجي، ثم صناعة واقع إقليمي جديد تنخلع عنه هويته، ويصير نهبا للآخرين.
إن أمام العالم العربي طريق وحيد للخروج من الدائرة الخبيثة التي تحاول أن تطوقه من كل جانب، وذلك بالتوافق على رؤية متطورة وعصرية للعالم بشكل عام، وما يجرى فيه من تحولات، والإمساك بمفاتيح الدخول إلى هذا العصر المتغير، ثم إدارة شؤونهم وفق معايير العصر، والتي تبدأ بالإحاطة بمفهوم التكامل الاستراتيجي الإقليمي، وأن يعيدوا صياغة حساباتهم للأمن القومي، وكيف تكون لهم المبادرة الذاتية النابعة من أوضاعهم، وليس الارتكاز على حسابات قوى خارجية، تضع سياساتها أولا وأخيرا بما يستجيب لمصالحها أولا وقبل أي شيء آخر.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
21/03/2018
2368