+ A
A -
على رغم الشعور باليأس والإحباط اللذين يشعر بهما المواطن اللبناني حيال إمكان تحول الانتخابات النيابية إلى عملية محاسبة حقيقية للأحزاب الحاكمة، وتاليا بروز زعامة سياسية جديدة، برزت أخيرا مؤشراتٌ تبعث على القليل من الأمل، مع اقتحام النساء والشباب حلبة السباق الانتخابي بأعداد غير مسبوقة. وشكل ترشّح النساء في هذه الدورة ظاهرةً مشجعة وجديدة من نوعها. فليس امرا عابرا ان تتقدم 111 امرأة لخوض الانتخابات البرلمانية.
في الماضي كانت النسوة لا يدخلن جنة البرلمان إلا على جثة زوج أو أب سقطا اغتيالا. هكذا صارت نايلة معوض وصولانج الجميل في عداد النواب بعد اغتيال زوجيهما الرئيسين الراحلين ميشال معوض وبشير الجميل، وكذلك حصل مع نايلة تويني بعد اغتيال والدها جبران تويني. لكن هذه المرة برزت وجوه نسائية جديدة مستقلة جريئة، تنتمي إلى الطبقات المثقفة وعالم الأعمال والمجتمع المدني.
هي ظاهرة صحية، من حيث المبدأ. ولعل القانون الانتخابي الجديد معززاً بلغز «الصوت التفضيلي» قد شجع الشباب عموماً والصبايا خصوصاً على خوض هذه التجربة الديمقراطية شكلاً، أوالتقليدية في أصلها ومردودها.
ومع ذلك فإنه من الوهم انتظار المفاجآت، ذلك أن مرشحات معدودات ومعروفات سلفا سيفزن بمقاعد نيابية محدودة، هن المرشحات على لوائح الزعامات التقليدية التي لا تقبل الخرق.ستظل النتائج محكومة بالقواعد المرعية الإجراء التي رافقت حروب الانتخابات السابقة، حتى لو اختلفت في بعض الدوائر نتيجة للتحالفات المستجدة. فهذا مهرجان استعراضي آخر بين الزعامات التقليدية وأصحاب رؤوس الأموال. وحتما هو ليس انتصاراً للنشاط الاجتماعي النسوي ولا هو إقرار بجدارة المرأة بتمثيل مجتمعها، بل هو أقرب إلى العملية التجميلية لديمقراطية الزعامات الذكورية و«عصريتها»، واستبعاد لبعض المستحقين من المرشحين الخارجين على طاعة «الزعيم» الذي أن شاء نائباً قال: كن فيكون!
هذه الانتخابات على رغم تغيير قانونها تبعا للتوازنات الطائفية الجديدة، تظل كسابقاتها دليلا على موت الحياة السياسية في لبنان. فكيف للسياسة ان تتنفس في ظل تلاشي الاحزاب الوطنية واندثار النقابات واختفاء الحركة الطالبية عن مسرح العمل العام؟ صار الناس أفرادا لا تنظيم يشملهم وصار توق الشباب البحث عن مستقبل في الخارج. واكتملت المأساة بتشويه الثقافة والمعرفة. فكيف في مثل هذا المناخ يمكن أن تشكل الانتخابات النيابية وعداً بغدٍ أفضل؟من أين يمكن أن يتسلل «المستقل» إلى النيابة، بل إلى الحياة السياسية عموماً، المقفلة بالسدود الطائفية والمذهبية؟
والانتخابات في نظام طائفي بالأساس والجوهر كما بالتفاصيل المملة طائفية.. ومذهبية: القانون طائفي، والدوائر مقسمة على اساس طائفي، والترشيح على قاعدة طائفية.. فكيف يكون المجلس وطنياً؟!
الانتخابات النيابية في لبنان ليست معياراً للديمقراطية، ولا هي تحدد مرتبة المجتمع في حركة التقدم الإنساني.. وبالتالي فليست هي الحكم في جدارة النساء على تمثيل الشعب، كما انها ليست الحكم في جدارة الرجال على القيام بهذا الواجب الوطني..الواجب هنا يحتاج وطناً، وفي لبنان فان “النظام” يلغي الوطن، والطائفية والمذهبية هي المعيار البديل الخانق للوطنية.
وهذا ينطبق، بطبيعة الحال، على الرجال والنساء، مرشحين ومرشحات وناخبين وناخبات وشيبا وشبانا.. فمن أين تأتي تتسرب الديمقراطية إلى هذا الفرن الطائفي؟!

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
16/03/2018
2082