+ A
A -
أنا فقير إلى الله، وهذا النوع من الفقر، هو الثراء الذي دونه كل كنوز الدنيا.
في هذا النوع من الفقر، سعادة.. بل السعادة، تلك التي يفتقدها الذين يحبون المال حبا جما، ويكدسونه تكديسا.
حين تفتقر إلى الغنى، تغنى.. والغنى ليس في كل تلكم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة.. وليس في كل ذلك الرصيد الشحمان في البنوك، ولا في تلك المكاسب السريعة اللاهثة في البورصات.
الغنى في راحة البال، والضمير.. وفى سلامة القلب، والقلب السليم، يصفق فرحا، حين يأتي الله، في يوم الدين، والناس عرايا من متاع الغرور!
تلك هي السعادة. بل ذلك هو أكسيرها الذي يجعل من كل الناس في شغل شاغل، ولا استثني الذين تضخمت ثرواتهم، واحتلوا بالتالي قائمة أثرى الاثرياء في العالم.
بيل غيتس صاحب الويندوز التي انفتح بها على الدنيا، فجاءته تجر أذيال «البنكنوت» والاسهم، والصكوك، والعقارات، سبق الأميركي البليونير وارن بافيت، المتضخم اوراقا نقدية، صكوكا، في البحث عن السعادة، وهو في قمة أثرياء الدنيا!
- لا. ليست في تراكم الأموال..
هكذا، قال غيتس ذات يوم من ايام بحثه المضني، وهو ينظر إلى ثرواته الطائلة!
وارن بافيت، المدير التنفيذي لشركة «بير كشيرهاثاواي» قال ذات جملة غيتس، ولكن بمفردات مختلفة، وهو ينظر إلى أرصدته التي تقارب الإثنين وتسعين بليون دولار.. قال:
تضخم ثروتي، لم يجعل مني الاكثر سعادة في هذا العالم!
بافيت قال ما قال بإنجليزية تخرج من مناخيره، لشبكة «سي. إن. بي. سي» الأميركية، وهو يكاد أن يضرب كفا بكف، تأسفا، على كل ثانية من وقته، كان يبذلها في لملمة الدولارات، ليفوت «إكس» من الناس- مثلا- في الثراء المحموم!
لم يتردد البليونير بافيت، في القول: «اعتقادك بأنك بامتلاكك المزيد من الاموال، ستصبح اكثر سعادة، اعتقاد مراوغ. قال ما قال وراح يضرب مثلا، من خلال تجربته الشخصية، مع هذا الاعتقاد المراوغ: حين كنت انا أقل ثراء، بكثير، كنت سعيدا إلى حد ما.. إلى حد ما.. لكن»!
يستدرك هكذا الملياردير، وفى مكان ما من حباله الصوتية، ثمة شيء يشبه المرارة..
هو لم يمض، في استدراكه إلى نهايته المنطقية. الإحساس بالمرارة قد يحجب عنك اشياء، وقد يبتر اشياء، ومن بين تلك، الجملة الاستدراكية، لكن.. لكننا بقليل من التخيل، يمكننا ان نكمل جملة بافيت، تلك التي بترها، بعد «لكن» الاستدراكية.
الذي يضيع سعادة الاثرياء، هو هذا السباق المحموم بينهم لكسب المزيد من الثراء!
يقول الملياردير الأميركي: «إذا لم تكن سعيداً وأنت تملك 100 ألف دولار، فلا تعتقد أن مليون دولار سيجعلك أكثر سعادة. هذا لن يحدث. فحتى لو تمكنت من تحقيق المليون دولار، ستختفي سعادتك حين تنظر حولك وتجد من يملك مليوني دولار»!
إنه السباق، إذن، من اجل المزيد من الثراء، وتلك هي الطامة!
أعود إلى بيل غيتس، الذي كان قد اكتشف أن السعادة ليست في المال، فراح يسعى إليها بكل خلية بحث في ذهنه، ليجدها أخيرا في اعمال الخير، تلك التي أسس لها مؤسسة تحمل اسمه هو، واسم زوجته!
ارتاح غيتس من البحث المضني.. واتخيله الآن، تغمره السعادة وهو يراها، في غيره، ممن استفادوا من مؤسسته الخيرية، غير الربحية.
لا. ليست في المال..
ولا في السباق المحموم، لتضخيمه، واكتساب الصدارة، بالتالي..
إنها في التسابق إلى الخيرات، وذلك هم التسابق الشريف، حقا.
ذلك هو إكسير السعادة.. وتلك هي.. هي، بكل مافيها من راحة بال وضمير.. وفرحة وجدان!
ترى هل توصل البليونير الأميركي- بافيت- إلى ما توصل إليه بيل غيتس، أم تراه لا يزال يبحث عن السعادة، وهو «ينعم» في الثراء.
ذلك ليس هو النعيم..
ذلك هو نعيم بعض أهل الدنيا.. وما عند الغني الحميد، خير وأبقى!

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
15/03/2018
2592