+ A
A -
سباق التسلح خلال الحرب الباردة كان السبب الرئيسي في إفلاس الاتحاد السوفياتي وانتصار الغرب على المنظومة الاشتراكية. ومنذ دخوله الكرملين يظهر بوتين عدم رضاه عن النتيجة التي آلت إليها الإمبراطورية الروسية عام 1991، ومذاك لم يوفر فرصة إلا وانتقد فيها آخر الرؤساء السوفيات ميخائيل غورباتشيوف على تراجعه إلى الخلف وتقديم الهدايا المجانية للولايات المتحدة، وعدم وضع السلاح النووي الروسي موضع الفصل في العلاقة مع واشنطن.
وفي خطابه الأخير للأمة قبيل الانتخابات الرئاسية، تخطى الرئيس الروسي إطار الحملة الانتخابية، بتفجيره «قنبلة» صاروخية لم يسبق لروسيا أن تجرأت على مسّها منذ انهيار الستار الحديد وتصدر الولايات المتحدة المكانة العالمية الأولى سياسيا واقتصاديا وعسكريا. قال بالفم الملآن: «لدينا مجموعة من الأسلحة الجديدة، منها صاروخ يمكنه أن يصل إلى أي مكان في العالم. الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا وآسيا لا يمكنها إيقافه». وتوعد بـ«الردّ القوي على أي اعتداء نووي على بلاده أو أي من حلفائها»، معتبرا ذلك «عدواناً على روسيا».
بوتين لا يخفي إعجابه بالقدرات العسكرية لبلاده، وشكل إعادة بناء القوة الروسية الاستراتيجية والنووية هدفه الأول منذ توليه الرئاسة. ولكن للخطوة الجديدة تفسيرات عدة. يريد بوتين ردّ الاعتبار لروسيا، بعد الضربات الأميركية المتلاحقة، سواء بصواريخ الكروز التي أطلقتها واشنطن في 7 أبريل الماضي على مطار الشعيرات في سوريا، أو بالغارات الأميركية على دير الزور الشهر الماضي، وأوقعت عشرات القتلى التابعين لروسيا، جنوداً روساً كانوا أو مرتزقة. هو يريد أيضا «تجميد» التحرّك الأميركي العسكري غير المباشر من جهة، وتصوير بلاده قطباً عظيماً من جهة أخرى.
وفي المقابل لم تخلُ ممارسات إدارة ترامب من رعونة تفصح عن إمكان استخدام السلاح النووي التكتيكي في بعض الحالات، وتهدد بالمزيد من التدخل العسكري في دول عدة منها سوريا حتى صار الجيشان الأميركي والروسي على تماس مباشر. وضاعفت إدارة ترامب موازنتها العسكرية في مجال تطوير الأبحاث والأسلحة النووية. وبعدما خرق إسلافها معاهدة الصواريخ الباليستية عام 2002 بنشر الدرع الصاروخي في رومانيا وبولونيا، تسعى الإدارة الحالية إلى خرق معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة.
وجاءت وثيقة البنتاغون الأخيرة، ومدارها على السياسة النووية الأميركية، لتقدم صورة قاتمة عن العالم، وتسلط، الضوء على جوانبه المظلمة المليئة بالتهديدات. ولا تعد العدة لوقف الانزلاق إلى عالم أخطر ولا تسعى إلى تقليص الاعتماد على الأسلحة النووية، بل تسرّع الانزلاق إلى مثل هذا العالم من طريق الصدوع بمنطق خصوم أميركا، والدخول في منافسة نووية معهم.
هذا لا يعني «حتمية» استخدام الأسلحة النووية، بل رفعها ورقة قوة في أي تشابك عسكري ناجم عن تصادم المصالح الاقتصادية. القوة في استعراض القوة لا في استخدامها، وفي جر الخصم إلى تنازلات جوهرية لمنع أي انفجار نووي محتمل. بيد أن التراخي في الملف النووي، في ظروف الانفلات والتوتر التي يعيشها العالم حاليا، ليس من شأنه سوى صبّ الزيت على النار. ربما يكون للاستراتيجية جانبها الردعي، بحيث تحذّر من مغبة اللعب بالنار. لكن عندما يصير التهويل بالزر النووي، لغة للتخاطب في المحافل الدولية في ظل اتساع احتملات الاحتكاك فلا غرابة أن تشعر البشرية بالخوف. ومادام الانتساب إلى النادي النووي امتيازاً للكبار وحدهم، فإن انتقال أكبر الكبار إلى طور ترخيص استعماله في غير مواجهة نووية، فإن خطر النووي يصير كابوسا.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
09/03/2018
2196