+ A
A -
لا تتوافر معلومات مؤكدة حول حقيقة الأسباب التي دفعت بالرئيس ترامب للاعتقاد بأنه قادر على إبرام «صفقة» تضع حدا نهائيا للصراع العربي الإسرائيلي، وكان لافتا للنظر أن الحديث عن هذه «الصفقة» ذاع وانتشر بعد فترة قصيرة من وصول ترامب إلى «البيت الأبيض». ولأن هذا أمر غير معتاد في التقاليد السياسية الأميركية، يبدو لي أن تطور الأوضاع في مصر والمملكة العربية السعودية كانت هي العامل الأكثر حسما في ترسيخ تلك القناعة لدى ترامب.
ففي بلدين يشكلان قلب العالم العربي ورمانة ميزانه، بدا واضحا أن قيادة سياسية من نوع مختلف راحت تمسك بخيوط السلطة بحزم، وأن هذه القيادة تبدو مهيئة الآن أكثر من أي وقت مضى للتعامل بمرونة غير مسبوقة مع ملفات القضية الفلسطينية الأكثر حساسية. ففي مايو 2016، واثناء افتتاحه لعدد من مشروعات التنمية في مدينة أسيوط، تحدث الرئيس السيسي فجأة عن حاجة ملحة لنقل العلاقة بين مصر وإسرائيل من حالة «السلام البارد» إلى حالة «السلام الدافئ»، إذا أمكن إيجاد حل للقضية الفلسطينية، مؤكدا استعداده للوقوف بحزم وراء هذا المسعى، ووجه نداءه للشعب الإسرائيلي مباشرة لمساندة هذا التوجه.
وقتها لم يكن أحد يدري شيئا عن لقاءات سرية يجري الترتيب لها بالفعل بوساطة أميركية، وتعين الانتظار عاما كاملا قبل أن تكشف صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في مايو 2017 عن أن قمة عربية إسرائيلية عقدت بالفعل في مدينة العقبة الأردنية خلال الشهور الأخيرة من إدارة أوباما، وأن هذه القمة ضمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وبحضور جون كيري وزير خارجية أوباما. وإذا كان تراجع نتانياهو في اللحظة الأخيرة قد أفشل هذه المحاولة، إلا أن ترامب استخلص من اجتماع العقبة أن السيسي جاهز لحلول غير تقليدية، وهو الانطباع الذي تأكد حين التقاه على هامش زيارة للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
عقب فوزه في انتخابات الرئاسة، راح ترامب يهتم بما يجري داخل المملكة العربية السعودية، وسرعان ما أدرك أن عداءها لإيران، من ناحية، وطموح الأمير محمد بن سلمان غير المحدود، من ناحية أخرى، يمكن أن يشكلا معا أرضية مشتركة قابلة للاستثمار لتغيير الموقف السعودي من الصراع العربي- الإسرائيلي. وأظن أن ذهن الثعالب السياسية في إسرائيل والولايات المتحدة تفتق في ذلك الوقت عن «صفقة تيران وصنافير» كمدخل إلى «صفقة القرن». فنقل السيادة على هاتين الجزيرتين إلى السعودية يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: تمكين الأمير الشاب من تحقيق إنجاز يقوي جناحه في حلبة المنافسة على السلطة، وحصول إسرائيل على وثيقة تلزم السعودية بنفس الإجراءات الأمنية المنصوص عليها في معاهدة السلام مع مصر، ومن ثم تدخلها طرفا غير مباشر في هذه المعاهدة، وأخيرا حصول مصر على ما يكفي من المساعدات المالية السعودية للتغلب على مشكلاتها الاقتصادية. وإذا كانت قوى المعارضة المصرية، رغم ضعفها الظاهر، قد نجحت في عرقلة هذا المخطط، إلا أن تمكن الحكومة من حسم المعركة لصالحها في النهاية، على الصعيد القضائي على الأقل من خلال حكم أصدرته المحكمة الدستورية العليا مؤخرا، أزال عقبات كانت تعترض طريق «صفقة القرن».
وكان لافتا للنظر أن يصدر هذا الحكم قبل يوم واحد من الموعد المقرر لزيارة ولي العهد السعودي لمصر. زيارة محمد بن سلمان الأخيرة للقاهرة تبدو على جانب كبير من الأهمية لسببين، الأول: أنها تسبق مباشرة زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة، وهي الزيارة التي يتوقع أن توضع فيها اللمسات الأخيرة لـ «صفقة القرن»، والثاني: أنها تأتي قبل اسابيع قليلة من القمة العربية المقرر عقدها في الرياض في نهاية الشهر الحالي، وهي القمة التي يتوقع البعض أن تحاول فيها مصر والسعودية التنسيق معا لتمرير الصفقة عربيا.
ومن ناحيتي لا أظن أن هذا المخطط سينجح رغم حالة الانهيار التي يبدو عليها العالم العربي، وربما بسببه أيضا.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
08/03/2018
2562