+ A
A -
وقف الزعيم السياسي أمام قاعة صغيرة مملوءة بطلبة كلية مرموقة للتجارة، مقترحا عليهم تمرينا غير مألوف في الحديث الصريح والمباشر، بدون تسجيل ولا كاميرات.
تقمص قائد الحزب، جيدا، دوره داخل تمرين «الحقيقة» هذا، فانخرط في تقديم تصريحات مثيرة تهم الأصدقاء قبل الخصوم، وترتبط بوقائع وأحداث كان شاهدا عليها.
أنهى لقاءه وودع جمهوره الشاب الذي بدا مفتونا بسياسي مختلف لا يشبه في خطابه السياسيين الآخرين.
في المساء سيفاجأ وهو يتابع نشرة التلفزة، بمقاطع مسجلة مستخرجة من لقائه مع الطلبة.
المقاطع التي بثت للمشاهدين، كانت بكل المعايير صادمة ومثيرة، وضعته بشكل مباشر في قلب عاصفة سياسية غير مسبوقة في مساره الحزبي.
رد فعله السريع و«التقليدي»، كان هو إدانة هذه التسجيلات غير الأخلاقية، والمقتطعة من سياقها مع التهديد بمقاضاة بالقناة التلفزية التي قدمت «التسريبات».
ذلك باختصار ما حدث أخيرا، لزعيم الحزب الفرنسي اليميني «الجمهوريون» لوران فوكييه، بعد محاضرة له أمام عدد من الطلاب، اتهم فيها الرئيس الأسبق «نيكولا ساركوزي» بالتنصت على وزراء الحكومة التي كان نفسه أحد أعضائها. كما اتهم فوكييه الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بتشكيل «خلية تدمير» لعرقلة تقدم مرشح حزب اليمين في الانتخابات الفرنسية فرانسوا فيون.
الحدث شكل مناسبة، للتفكير في طبيعة الخطاب السياسي، وعلاقته بالحقيقة والكذب، وعن هامش المسموح به داخل كلام السياسيين، وعن حدود ومنزلقات استراتيجية «قول الحقيقة» المستعملة خاصة من طرف القادة الشعبويين، الذين يسعون إلى تقديم عرض سياسي مبني على مواجهة صادمة لما يعتبرونه خطابا نمطيا للنخب وللمؤسسات العميقة للدول يتمحور حول لغة الخشب والنفاق والابتعاد عن حقائق المجتمع.
لذلك كثيرا ما يصبح في النهاية «قول الحقيقة» مرادفا للسوقية والاتهامات الشخصية المنحطة، وهو ما يتحول إلى قتل جديد للسياسة تحت مبرر «الحقيقة».
بالتأكيد الزعيم الفرنسي الشاب، لا ينتمي إلى التيار الشعبوي، لكنه ربما قد يكون سقط في إغراء الترامبية الجديدة.

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
02/03/2018
2377