+ A
A -
كنا مجموعة من الأصدقاء على مقهى بوسط القاهرة، في ليلة تغلب فيها دفء المودة على زمهرير أجواء المعزية، ورغم انف وعد قطعته على نفسي، بأخذ قسط من الراحة خلال الإجازة، والبعد عن شرور الحديث في السياسة، انزلق بنا الحديث نحو مادة «ساس» الملعونة. كان الحديث بسيطا، بل يكاد يكون سطحيا، مادته الأساسية تدور حول الإصلاح، وموقع انطلاقه، وإذا ما كان تصاعديا، أم تنازليا.. تبنى صديقنا المدافع عن الحكومة بشكل عجيب دائما، ومريب أحيانا، وجهة النظر التي تدعي أن الناس «الشعب» هم سبب كل البلايا، ومصدر كل الرزايا، وانه إذا انصلح سلوكهم، سينصلح سلوك السلطة، وان توقف فسادهم ستجف منابع الفساد لدى المسؤولين، وإذا ما كانوا ديمقراطيين فيما بينهم، سيتبنى النظام الديمقراطية.
لم ادخل في جدل مع صديقي «السلطوي»، فقط نصحته بقراءة كتاب «الطاغية» الذي ألفه منذ ما يزيد على الربع قرن أستاذ الفلسفة الدكتور أمام عبدالفتاح إمام، وأسعفتني ذاكرتي المستهلكة، بحكاية رواها المؤلف في مقدمة كتابة، يقول فيها «كنت اسكن في الشارع الرئيسي بمدينة اوكسفورد البريطانية، وهو شارع ضيق إذا ما قورن بكثافة السيارات التي تعبره كل يوم، ذات صباح شب حريق بمحل تجاري في الشارع، استدعى وجود العديد من سيارات الإطفاء، ما أحدث ارتباكا مروريا، وتوقفا للسير بأحد اتجاهي الشارع، فاصطفت السيارات في طابور لا تستطيع العين أن تصل إلى نهايته، ومع ذلك لم تخرج سيارة إلى الاتجاه المعاكس، رغم أنه لم يكن يمنعها من ذلك رصيف ولا حجر، فسألت نفسي لم يلتزم المواطن على هذا النحو العجيب؟.. وكانت الإجابة التي لم أتشكك لحظة في صدقها، إنها الديمقراطية، نعم الديمقراطية التي أعطت لكل واحد حقه وكرامته، فأصبح من الصعب عليه أن ينتهك حقوق الآخرين.. ليس ما ينقصنا هو الأخلاق كما يظن البعض، ولا العودة إلى الله كما يتوهم البعض الآخر، بل ما ينقصنا حقا هو الشخصية التي نالت حقوقها وشعرت بكرامتها وقيمتها الإنسانية».. انتهى الاقتباس الذي قدمته لصديقي من كتاب «الطاغية»، فهز رأسه بتأثر عميق، وسحب نفسا من دخان الشيشة وقال في أسى.. يا عم أنت عاوز تقارنا ببريطانيا!!.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
25/02/2018
2369