+ A
A -
نالت منطقة الشرق الأوسط الحظ الوافر والكبير من نقاشات، ومداخلات، ونشاطات الكواليس الدبلوماسية، في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي في دورته الرابعة والخمسين. فقد تناول جميع المشاركين، ودون استثناء، بالتحليل والتقدير قضايا ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، بينما نالت قضايا القارة الأوروبية، وعلاقات دولها مع كل من واشنطن وموسكو، المرتبة الثانية رغم سخونتها وتأثيرها وحساسيتها على الوضع الدولي، وعلى ميزان التوازن في السياسات الأممية.
يُعد مؤتمر ميونيخ أبرز مؤتمر دولي سنوي، يتناول القضايا الأمنية الدولية والإقليمية، شارك في دورته الأخيرة واحد وعشرون رئيس دولة وحكومة، وخمسة وسبعون وزير خارجية ودفاع، وقد رسم التقرير المُعد لأعمال المؤتمر صورة قاتمة عن الأمن العالمي بشكل عام، إذ أشار إلى تصاعد متتالٍ في وتيرة الصراعات في مُختلف المناطق. فضلاً عن ما طُرح على جدول أعماله من قضايا مُتعلقة بالتوتر بين موسكو وواشنطن، وموسكو وحلف الأطلسي.
ومع هذا الزخم في الحضور، وفي المواضيع والقضايا المطروحة، فلا شيء نوعي، أو جديد، في دورة مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي، لجهة التوصل لتفاهمات مُحددة تجاه القضايا الدولية المطروحة. فقد بدا الموقف الأميركي صقرياً جداً تجاه كل العناوين والقضايا المُدرجة، والتي تم تناولها، حين تَصَدَّرَ مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ماكوماستر في تقديم المواقف الحادة، والتي كان منها مطالبته بإعادة النظر في بعض تفاصيل اتفاق (5+1) بشأن الملف النووي الإيراني وهو ما تُعارضه دول الاتحاد الأوروبي. كما في تناوله الموقف التركي مما يجري في منطقة عفرين ومسألة المجموعات الكردية المسلحة (قوات قسد بشكل رئيسي) التي تَنال دعماً أميركياً مؤثراً.
نعم، لا شيء نوعيا، أو جديدا، في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي، في دورته الأخيرة، سوى المواقف المُتشنجة التي «تزيد الطين بلة» وهي المواقف التي أبداها مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ماكماستر، فضلاً عن المصارحات القاسيةِ الأوروبية- الأوروبية، فالجميع من الأوروبيين المشاركين، أقَرّوا بأن الاتحاد الأوروبي أخفَقَ في السياسةِ الخارجيةِ والشرق الأوسط، فهو الشريك التجاري الأكثر أهمية للعديد من البلدان في منطقتنا، لكنه فَشِلَ في السياسةِ الخارجيةِ في الشرق الأوسط، نتيجة ثلاثة أمور: أولها التقزيم الأميركي المقصود للدور الأوروبي، وهو التقزيم الذي جَعَلَ من دول الاتحاد الأوروبي ممولاً ومانحاً فقط دون دورٍ سياسي في المنطقة. وثانيها فقدان دول الاتحاد الأوروبي استراتيجية موحّدة في السياسةِ الخارجيةِ، وتعامل كل دولة عضو من منطلق مصالحها الخاصة. وثالثها أنَّ أي دولةٍ من دول الاتحاد يُمكن لها فرملةِ وتعطيلِ أي قرارٍ تعترض عليه، وهو ما أعاق بناء الاستراتيجية الموحدة لدول الاتحاد.
إنَّ الدرس الأوروبي المُستخلص من قمة ميونيخ، يتَمَثَّلَ بضرورة العمل من أجل «إصلاح الاتحاد الأوروبي»، واعتماد اتخاذ القرارات بتصويت الأغلبية، بدلاً من الصيغة السائدة حالياً والتي تمنح أي دولة صغيرة من دول الاتحاد حق تعطيل ما تراه غير مناسب على صعيد سياسات الاتحاد المشتركة. وعندها ستكون دول الاتحاد شريكا فعليا في إدارة الملفات الدولية وليس دول مانحة فقط.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
21/02/2018
1724