+ A
A -
وقعت في سوريا منذ 2011 واحدة من أجرأ ثورات العرب، والشعب السوري، كما أكدت ثورته هو من أكثر الشعوب قوة وتمرساً وعنفواناً. لقد مثلت سوريا تاريخياً أساس بلاد الشام التي يعود تاريخها للوراء إلى العهود الإسلامية وإلى ما قبل الإسلام. في سوريا مازال نبض التغيير مستمراً، إذ بدأ كل شيء في عام 2011 على شكل مطالب إنسانية وسياسية بسيطة: كشعارات الشعب يريد الحرية والحقوق والشعب يريد المشاركة والمساءلة والشعب يريد انتخاب رئيسه وتغيير حكامه بوسائل سلمية والشعب يريد أن يتخلص من القبضة الأمنية والفساد.
هذه مطالب لم يعتد على سماعها النظام بصورة علنية من جيل جديد برز على مسرح التاريخ.. الجيل السوري لم يطالب بالمستحيل. بل طالب بما هو معمول به في معظم أركان الأرض، فقد سعى لأن يحيا في بلاده بطريقة تختلف عن تلك الحالة البائسة التي اختبرها الجيل السابق.. وفي المقابل لم يكن رد النظام السوري في 2011 عاديا، بل قرر مواجهة المطالب الأولى منذ الأيام الأولى بالحديد والنار وبالعنف المفرط والشامل ضد المتظاهرين السلميين. تلك السياسة الأمنية التي أتبعها النظام أدت للكارثة السورية التي نحن بصددها اليوم. فقد دفعت قطاعا مهما من الجيش جنودا وضباطا للانشقاق مما أدى لبروز ظاهرة الجيش الحر ثم تسلح الثورة السورية.
بعد سنوات سبع على الثورة السورية مازالت جذوة التغيير مشتعلة وذلك بالرغم من سقوط 400 ألف قتيل، فلا النظام يسيطر على كل سوريا ولا الثورة حققت انتصارها، ولا الأكراد نجحوا في تحقيق حقوقهم، ولا حزب الله وإيران وروسيا سيطروا على سوريا رغم تحولهم للقوة الخارجية الأساسية فيها، ولا الأتراك حسموا الصراع مع الأكراد ونظام الأسد، ولا الولايات المتحدة وفت بأي من وعودها، ولا إسرائيل اطمأنت على مستقبلها. في كل ما وقع في سوريا تداخلت مكونات الحالة السورية مع الموازين الصعبة والصراعات التي لا نهاية لها في سوريا وخارجها.
وبالرغم من مرور 7 سنوات لا يبدو أحد قادرا على حسم الصراع في سوريا، فالنظام مازال يؤمن بإمكانية استعادة مواقعه عبر دعم روسيا وإيران له، لكن ذلك لن يقع، والولايات المتحدة ستحاول إبقاء الأكراد في الميزان ومنع عودة داعش لكن ذلك أيضا سيواجه بالتحدي التركي وراء التحدي، وستجد المعارضة لها متنفسا وراء الآخر مما سيدفعها لإبراز تشكيلات أكثر تجديدا والتزاما بصيغ التغيير. كل بعد من أبعاد الصراع السوري أمامه ما يناقضه. لهذا تقع الآن عدة حروب في سوريا، فهناك حرب حول الأكراد وتركيا والولايات المتحدة، وأخرى حول إيران وروسيا في مواجهة مع المعارضة، وثالثة بين المعارضة والحكومة، ورابعة وخامسة وسادسة.
كيفما نظرنا للحالة السورية نجدها مازالت متورطة في المربع الأول. فطالما أن حقوق الشعب السوري لم تجد لها ظلا ومكانا وطالما هذا العدد من الدول الكبرى والإقليمية لديها اليد العليا ستبقى الرمال المتحركة السورية قادرة على التأثير على جميع اللاعبين. من يسيطر الآن قد لا يسيطر غدا، ومن لديه اليد العليا في هذه اللحظة لن يكون لديه اليد العليا في لحظات مختلفة. لهذا فلا حل سياسي فعال يتضمن إشراك كل الناس في قضاياهم وحلها، وبلا تحرير السوريين من قبضة العنف والخوف والملاحقة الأمنية والفساد السياسي، وبلا تحرير سوريا من نفوذ الخارج لن تخرج سوريا من وضعها الراهن. إن عودة سوريا للسوريين لن تكون مهمة يسيرة، لكنها ليست مستحيلة. سيأخذ هذا المشروع سنوات عدة، وسيتطلب رؤى إصلاحية جادة مصحوبة بحالة وطنية تسعى للإنقاذ. إفرازات سوريا لن تتوقف، ومعركتها مع نفسها وحقوقها كما بدأت في 2011 لم تقترب من خط النهاية.
بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
18/02/2018
2361