+ A
A -
توحي الحركة الجوية ان الفضاء السوري صار صندوقا لتبادل الرسائل بين روسيا واميركا. رأى البعض ان واشنطن أرادت رسم خط احمر في الشمال بتمريرها غير المباشر للصاروخ الحراري المحمول على الكتف «مان باد» الذي اسقط طائرة ال «سوخوي 25» فوق ادلب لتذكير موسكو بالنهاية المشؤومة للجيش السوفياتي في افغانستان، وانها بتصديها المباشر لقوات موالية للنظام السوري حاولت عبور شرق نهر الفرات وجهت رسالة لا لبس فيها إلى جميع المنخرطين في الصراع على بلاد الشام.
عنوانها لا يحتاج إلى اجتهاد: وممنوع التعرض لحلفاء اميركا في سوريا ولاسيما لـ «قوات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها شمال البلاد وشرقها.
وفي المقابل يعتقد البعض ان اسقاط مقاتلة إسرائيلية من طراز «اف 16» كانت تغيرا على اهداف في وسط سوريا بصاروخ سام من صنع روسي، هو رسالة رد روسية على الرسالة الأميركية، ومفادها: اذا كنتم تريدون تغيير قواعد اللعبة في شمال سوريا، في استطاعتنا ان نغير ايضا قواعد اللعبة في شمال إسرائيل الذي يعني أمن واشنطن كثيرا بقدر ما يعني تل ابيب. وربما هذا ما دفع بنتانياهو إلى الاتصال ببوتين لمنع التصعيد «لان إسرائيل تعلم ان يمتلك القرارات الاستراتيجية في سوريا هو الكرملين»، على حد قول المحلل السياسي الإسرائيلي الحنان ميلر. وجاء تقرير «مجموعة الأزمات الدولية» الذي يؤكد على مركزية دور روسيا كوسيط لاحتواء التوتر المتصاعد بين إسرائيل والدولة السورية وحلفائها، ليبرز اتساع هذا الاقتناع على المستوى الدولي بين المؤسسات والهيئات المعنية بالتوسط في النزاعات، وهو أمر يزيد من حنق إدارة ترامب-ماتيس بلا ريب.
الطلب الإسرائيلي لاقته موسكو مباشرة بالدعوة إلى وقف التصعيد. وهي رغبة يتشارك فيها الجميع، على الأرجح، إذ إن لا أحد يتوق إلى فتح جبهات جديدة في الإقليم المحترق بنار حروب مشتعلة في اكثر من ساحة من ساحاته. فالنظام السوري بات مجرد من القدرة السياسية على اتخاذ قرار الحرب والسلم، والإيرانيون ليسوا في وارد خوض معارك جديدة تستنزف قدراتهم ومواردهم لاسيما في ظل اتساع التهديدات الأميركية ضدهم، والأمر نفسه ينسحب تلقائياً على حزب الله، إضافة إلى أن موسكو ترفض قطعا اندلاع أي حرب جديدة في ظل انتشار قواتها في المنطقة. ويمكن إضافة إسرائيل الآن إلى قائمة عدم الراغبين في الحرب، وتحديداً بعد إدراكها حالياً أن خللاً واضحاً أصاب موازين القوى وضرب السلاح الجوي الذي كان يعطيها التفوق في الحروب التي كانت تدخلها.
صحيح ان واشنطن غيرت سياستها في سوريا منذ تولي ترامب سدة الرئاسة، لكن هذا التغيير لم يحدث بعد فرقا في ميزان القوى المائل لمصلحة موسكو في سوريا. وجاء اسقاط طائرة «سوخوي 25» التي تعتبر فخر الصناعة الحربية الروسية في مقابل طائرة «ف 16» الأميركية التي تساوي قيمتها الحربية قيمة نظيرتها الشرقية، ليقول ما مفاده ان التعادل في الجو يفترض عدم تغيير قواعد الاشتباك على الارض والعبث بالخرائط التي رسمت في الميدان حتى الآن.
وهكذا يمكن اعتبار حادثة الـ «اف 16» مفصليةً في إعادة ضبط قواعد الاشتباك في المنطقة، من دون أن تؤدي، بالضرورة، إلى الانجرار نحو حربٍ لا يريدها أحد.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
16/02/2018
2228