+ A
A -
رياض الرفاع التي أتى عليها شارع دخان، كانت مقام أهل قطر في الشتاء، من الوجبة شرقاً حتى الحسنية غرباً، الخزعليه والدحيليات، والشيخ سعيد، وأم اثنيتين، وغيرها من أسماء رياض الرفاع التي حفظناها أباً عن جد، وينزلها آباؤنا شتاء مع الشيوخ وجمع غفير من أهل قطر الكرام، بيوت متقاربة ومعيشة واحدة وانتماء واحد، كان الرفاع كمنطقة غالية جداً على الحكم في قطر، لا يسمح لأحد بقطع السمر منه ولا الشجر، ولا العبث بتربته وطينه، كان محمية طبيعية بلا أسوار؛ حيث كان وعي الناس كافياً عن أي سور وقرب الناس من الحكام مانعاً من التجاوز، لم أعش تلك الفترة بالتفاصيل، لكن حدثني والدي عنها أنهم كانوا ينزلون هم وجمع من أهل قطر في منازل متقاربة مع الشيوخ، أما في الصغر فكنا نذهب إلى الوجبة حيث قلعة الشيخ عبدالله بن جاسم والتي سكنها بعده ابنه الشيخ حمد بن عبدالله، كنا نذهب على «السياكل»؛ حيث هناك مسافة قاحلة بين الريان والوجبة ونتغدى في الزرع الكبير فيها ونلعب الكره حتى العصر ثم نعود بما في ذلك من مخاطرة حيث الطريق الضيق ذي الاتجاه الواحد، أما روضة الحسنية ففيها بيت كبير لأبناء الشيخ أحمد بن علي رحمه الله يقضون فيه أيام العطل والمناسبات، وأذكر أننا في روضة تسمى «الشيخ سعيد» في شتاء جميل في عام 68 ميلادية على ما أظن، حين أعلن خبر وفاة الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله.
رياض الرفاع شكلت وعياً بيئياً متقدماً لدى أهل قطر بضرورة الالتزام الذاتي بالبيئة، كان الآباء أكثر احتراماً للبيئة منا، كان هناك دستور غير مكتوب بينهم وبين البيئة والمحافظة عليها. كان الشتاء يبدو أكثر طولاً منه اليوم، والمطر أكثر كرماً منه اليوم، والنفوس أكثر صفاءً منها اليوم، عندي اعتقاد بأن البيئة هي مرآة الإنسان يرى فيها صورته، فكلما كانت صورته أجمل انعكس ذلك على مرآته «بيئته وطبيعته».
كانت مناطق «السيج وروضة قديم والثميد وحزم برنيوش» التي أصبحت مناطق سكنية اليوم كانت ملاذاً للصيد والمقناص. اليوم نحن نضع قوانين للحفاظ على البيئة ونقيم المحميات ولا نجد من الالتزام ما كنا نجده قبل ذلك كله؛ لأن القانون المتعارف عليه أحياناً كثيرة أقوى من القانون المكتوب، القانون العرف ينبع من الداخل بينما القانون المكتوب مجرد إملاء من الخارج، نريد أمثلة تُعيد لنا قوانين العُرف، نريد رموزاً تضرب لنا الأمثلة في ذلك، لا ينفع أن نصدر قانوناً للحفاظ على البيئة، ونخفي أطماعاً وهواجس استغلالية على حساب الأجيال القادمة، آباء القانون الأول كانوا يدركون أن قطر منحة شتوية؛ لذلك كان جل همهم أن يستمتع أهل قطر بشتاء جميل وبيئة نظيفة ورياض طبيعية وشمل ملتئم، اليوم أرى المزارع وقد أصبحت كراجات وأرى الرياض وقد أصبحت مخازن وأرى الوديان وقد أصبحت مصباً لمياه الصرف، لم يعد هناك ما يمكن الحفاظ عليه طالما كان الطمع منهجاً والمال وسيلةً.. اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تكلفنا فأنت علينا قادر.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
15/02/2018
2399